الجمعة، 31 أغسطس 2012

رؤية الرافضي ما قبل الأخيرة


"إن قاموا بإبادتنا يومًا, سيقول الآخرون قتلنا الآخرين لأنهم كانوا كلابًا للغزاة وقد يقولون أيضًا أن القوات القادمة من الجبل هي من حرر شمال الجليل وهم - أي الآخرون- من تولوا تحرير جنوبه وما تبقى.
هل أنت خائفٌ من أن تبادوا أو من أن تباد أنت؟
لن تبادوا فمن سوء حظ الاخرين أنكم تنجبون الكثير من الأطفال. لذا لا بد للقاتل بعد أن يقتل الأب والأم والأولاد الأربعة أن يرق قلبه للصغير الصامت الذي يحدق فيه بعينيه الكبيرتين, ويتركه ليتزوج داخل المنزل وينجب أطفالًا وتتكاثرون من جديد.لكنك خائفٌ من أن تباد أنت, من أن تموت أنت.يأكلك خوفك قليلًا قليلًا وتحاول دون جدوى أن تهرب منه, بأن تقول مثلًا:"بيروت لن تفنيها حربٌ بل ستفنيها الصراصير" وتفرح بجملتك هذه وبحكايتك المبتذلة التي خلقتها منها, بينما تشتم في قلبك روحك الخائفة من الموت.
يقول شاعرٌ -من جنوبٍ آخر,غير جنوب الجليل-: "أسأل يا زرقاء..
                                                              عن جاريَ الذي يهم بارتشاف الماء
                                                              فيثقب الرصاص رأسه في ساعة الملامسة"
وانت ان كنت ستموت,ستموت هكذا أليس هذا ما  قاله صديقك, ومن يومها وأنت تتخيل رصاصة تخترق فكك قبل مضغ لقمة الخبز الأولى في الصباح"

"هل تعتقدين أن هذا المقطع جميلٌ حقًا؟"
يحدق أسود الشعر بني العينين بالفتاة ذات العينين الكبيرتين ويتابع:
"ألم تكوني أنت من قلت ذلك اليوم:منذ متى تناصر الرافضة الحاكم الظالم؟!منذ متى يبايعون قاتل النفس المحترمة بأسماء الممانعة الحسنى!"
تخرج من فمها "لا" مرتبكة
لكنه لا يصدقها ويواصل:"أنا أقول لك منذ متى.ربما منذ اليوم الذي أحسوا فيه أنهم أقلية مهما تكاثروا أو منذ اليوم الذي أحسوا فيه بالموت,بالموت الذي يحمله الأخوة والجيران."
يشعران بهواءٍ باردٍ يلفح وجهيهما في هذه الليلة الصيفية المقمرة, فيقرران الدخول إلى الغرفة, لكن أوراقً تملأ الشارع تلفت انتباهه :"هل هي مناشير الحرب؟" يسألها دون أن ينتظر جوابًا " أم أنه منشور لبقعةٍ استهلاكيةٍ جديدةٍ ستطفو في هذه الضاحية الملاصقة للعاصمة؟" قبل أن يرفع رأسه ويحدق في عينيها الكبيرتين من جديد ويسأل بصوت منخفض يملأه الخوف والرهبة:
"
منذ أن بدأ الرافضة يهوون نمط الحياة الاستهلاكي هذا؟منذ أن غزتهم هذه الاستهلاكية,الاستهلاكيةٌ المحجبة؟"
"
وقد يكون لأنهم انتبهوا الى أنهم أقلية مهما تكاثروا"
تقول الفتاة وهي تصطنع البرد داخلةً الغرفة مغلقةً خلفها باب الشرفة
.

يدير ظهره لها ويقترب من حافة الشرفة.يضع يده عليها وعلى يده يضع رأسه, والأذن على راحة اليد المليئة بالخطوط المتشابكة فيسمع صوتًا يشبه صوت الصدف.
يسأل نفسه :"لماذا كرهت محمود درويش وفضلت عليه الآخرين,ألأنه من جنوبيّ الجليل وأنت من شماله ففضلت عليه شعراء جنوب الليطاني؟ألهذا كرهته؟ أم لأنه لطالما استعان بالمسيح كأنه خلق له وحده فقط ولجليله؟
هل سيبعث الله بالمسيح مع المهدي,هكذا تقول الروايات أو كما تحب أن تسميها الحكايا, وتقول الحكايا أيضًا أنه لم يمت. لعلي أنا المسيح,هناك صبيٌ في الشارع يومئ لي برأسه  وعلى عمود الكهرباء القريب يتجمع الحمام.

لا بد أنني حقًا المسيح,
أشعر الآن أنني في قانا الجليل,أقترب من التلة المقابلة للمغارة.المغارة التي نمت فيها يومًا منذ أكثر من ألفيّ عام, أريد أن أنام هناك لأن التعب أنهكني.

لقد بدأت أتأكد من أنني المسيح,
فمن المؤكد أنه كان ليرفض النوم في علبنا الاسمنتية الجديدة حيث تتراقص صناديق ملونة تظهر قتلى يملؤون الشوارع وفرانً سقط في فرنه واحترق مع مناقيشه بعد أن اخترقت رأسه رصاصة, ثم تعود لتواصل نقل مبارة كرة القدم.

لا بد أنني المسيح,
فما ان وصلت الى هنا حتى أنتابني حنين قديم واستعدت كف يهوذا تشد على كفي وعينيه تنظران في عينيّ بحزن.

لا بد أنني المسيح,
هناك قبرٌ في رأس التل,لا بد أنه أليعازر وأنا سأحييه من جديد.أسرع في ارتقاء التل,النباتات والشجيرات هنا لا زالت على حالها كما تركتها حتى الأزهار الصفراء ما زالت كما كانت يوم العرس.ها أنا اسرع أكثر فأكثر وأقترب من التلة.أشعر بملاك يدفعني بسرعة,ها هو القبر يزداد وضوحًا,انه قبر اليعازر سأنقذه.
لقد  وصلت الآن أعلى التل لكنني لا أستطيع أن أتوقف,قدمي تدوس الهواء,ها أنا أسقط الآن من الأعلى, من قضم تلتي كتفاحة كلسية بيضاء؟جسدي يصطدم بالأرض وحجارة القبر تسقط على رأسي وتملأه بالدماء.
يبدو أنني لست المسيح, لعلّي المهدي
!"

الخميس، 16 أغسطس 2012

مانيفستو الجنون


والدته في غرفة الجلوس تشاهد المسلسل اليومي ذاته الذي يعاد كل يوم,شقيقته في المطبخ تستعد للبدء بتحضير طعام الغداء,شقيقه في الغرفة يترنم بأغنية قديمة حزينة كلماتها ليست واضحة,يرمي الكتاب على السرير بقوة ويدخل الحمام مسرعًأ مغلقًا الباب بإحكام.ينزل الـ"شورت" الرمادي والسروال الداخلي ذو اللون نفسه ويمعن النظر,ينزل يده أيضًا
 "
لا زال في مكانه" -يقول لنفسه-
يرفع الشورت والسروال الداخلي مجددًا ,يرى انعكاس وجهه في المرأة ويحدق فيه. طويلًا "لمن هذا الوجه؟"
 
يقترب أكثر من المرأة يتلمس الشعر الأسود,ينزع النظارة عن وجهه.يمر بأصابعه على الحاجبين,على العينين البنيتين وعلى الأنف
 "
لمن هذا الوجه؟"
 
يمرر يده على الشفاه الزهرية ومن ثم يقترب من المرأة أكثر ويقبل انعكاس الشفاه في المرأة "
"
لمن هذا الوجه؟
"أهو وجهه؟...نعم وجهه,لكني لم أره,لم يضعوا في الكتابة صورةً له حكوا الحكاية فقط عن اقتلاع عضوه الذكري ووضعه في علبة كبريت تناقلتها الأيدي في بيروت متباهيةً بهذه الغنيمة...لا لست يهوذا, لست يهوذا وان كنت قد قبلت شفتيه!" 
صوت ديكٍ يتسرب إلى أذنيه من منور الحمام.
"
لماذا يصيحُ ديكٌ في هذا الوقت من النهار؟ لا لا لست يهوذا و لا أي أحدٍ أخر أيها الديك! لا أعرف أصلًا من هو!" 
يمسح بكفه اليمنى حبات العرق التي تجمعت على جبينه مبللةً شعره.يحاول أن يطمئن نفسه.
"
نعم,نعم أنا لست يهوذا لم أكن قد ولدت أصلًا حين قتل,لم أكن قد ولدت لكن لماذا يحدق فيّ بهذه الطريقة؟"
يصرخ بصوتٍ عالٍ:"ما قتلتك,ما قتلتك بحلفلك انو ما قتلتك,مين انتا ما بعرفك,مين انتا مين؟ منان طلعلتلي بهاليوم الزفت!؟من قال لك أنـ....." يشعر أن كلامه قد أضحى صراخًا فيهمس من جديد:"من قال لك أنني,,"
تقرع أمه الباب:"شو باك يا ماما,صرلك شي ؟ ليش عم تعيط؟ "
"
ولا شي يا ماما ولا شي,كان في صرصور كبير بس قتلتو هلأ" يجيبها وهو ينظر إلى الباب الخشبي الأبيض منتظرًا ان تبتعد. ما ان يسمع صوت ابتعاد خطواتها يرفع رأسه إلى المرأة مرّةً أخرى
 "
لمن هذا الوجه؟أين ذهب الوجه الأول-الذي قبلت شفتيه؟"
راحة يده اليمنى ترعاه فيحكها,ينظر اليها
 "
يا لهذا الكم من الخطوط! من أين خلق الله لي كل هذا؟
يمرر يده الأخرى على الخط الثاني أسفل أصابع يده اليمنى وترتسم على وجهه شبه ابتسامة
 "
خط العمر طويل,سأعيش كثيرًا هذا ما قالته لي رنا,أذكر هذا جيدًا.قالت لي ذلك حين كنا في يومٍ من أيام الربيع الماضي في المقهى وقالت أنها هي ستعيش أيضًا لكنها ستعاني من المشاكل,نعم أذكر هذا جيدًا". 
يغسل يديه المتعرقتين ويرتدي نظارته متجنبًا النظر في المرأة ويخرج.
يدخل غرفته.شقيقه ليس هنا,يرتمي على سريره قدماه على الأرض المليئة بالمربعات الملونة.ينظر إلى الشباك
 "
لماذا وضعوا هذه القضبان على الشباك؟لما لم يزيلوها بعد؟لم نعد صغارًا لنقفز منه,لم يعد لدينا ألعابٌ لتقع منه,اخلعوا هذه القضبان؟لمن وضعت هذه القضبان!؟"
 يشعر أن الشباك يقترب منه ويبتعد,يخلع نظارته,يشعر أكثر باقتراب الشباك وابتعاده,يرى رجلًا واقفًا على حافة الشباك يدير الرجل رأسه ويبتسم إليه.
"
عمو عمو لماذا أنت واقف هنا!؟ انزل انزل!!"
 
لكن الرجل لا يسمعه ويقفز.
يقوم عن السرير مسرعًا لعله يستطيع اللحاق به أن يمسك بطرف قميصه أو بقدمه لينقذه لكن ضوءً شديد السطوع يعمي عينيه ويقذف به بقوةٍ هائلة إلى السرير.الكتاب مفتوحٌ بقربه على الصفحة 139: "...عرفت من قتل ابني وعرفت الطريق الذي يسلكه يوميًا إلى مقر حزبه وبعد مراقبته طوال شهر ألقينا القبض عليه وهو يمر في احدى الطرق الجبلية الفرعية التي يسلكها دومًا وبعد أن عذبناه واعترف بأنه هو من قتل ابني مع مرافقيه اللذين قبضنا عليهما معه قمنا بإفراغ عددٍ لا أذكره من أمشاط السلاح في أجسادهم ومن ثم عمدت إلى قطع قضيبه ووضعه في علبة كبريت كبيرة لم يبقَ أحدٌ في بيروت لم يرها.أما الناس اللذين كانوا يعبرون على الطريق في نفس وقت عبوره فقد أوقفناهم جميعًا وبعد أن تحققنا من هوياتهم تركنا القليل منهم ليمروا أما الباقين فطلبنا منهم النزول من السيارات والانتظار غير ابهين بصراخهم وتوسلاتهم.بعد ساعة انفجر عددٌ من السيارت التي كانوا يقودونها بعد أن فخخناها بكمياتٍ كبيرةٍ من الـ تي ان تي .كل الذين كانوا هناك ماتوا جراء التفجير جميعهم من عدة طفلةٍ صغيرة كانت ترتدي فستانًا أبيضًا ملطخًا بالدم والوحل وعندما رأيتها
يرمي الكتاب أرضًا.

"هل السوريون وحدهم من يقتل بعضهم بعضًا؟هل هم وحدهم ليسوا بشرًا ؟لماذا هذه الدهشة على وجوهنا عندما نرى ما يقترفونه في حق بعضهم البعض ألم نفعل في السابق مثلما يفعلون الآن؟"
 
يقول بصوت أقرب إلى الهمس:"شو يا عمو بس هني مش بشر متل ما كنت تقول!؟" :
يفكر مرّة أخرى:
"
ماذا عن تل الزعتر؟عن الدامور؟اهدن؟صبرا وشاتيلا؟ماذا عن السبت الأسود وأيام آخرى دامية؟عن أماكن وأيامٍ كثيرة أخرى مختلفة متفرقة؟ هل سامحنا بعضنا على ما جرى فيها؟هل سامحنا أنفسنا قبل أن نسامح بعضنا؟"
 قبل أن يقول بصوت مرتفعٍ : "15 سنة يا عمو 15 سنة,نحنا بشر شي؟" 
وكأن صراخه هذا أعاده إلى وعيه:ينتبه إلى أن انفجارًا ما قد وقع,يقترب من الزجاج الذي لم ينكسر رغم قوة الضربة.يحدق من الشباك. 
"
يبدو أن الانفجار حصل في منزل بواب البناء السوري,هل عمو هو من فجره؟هل ستندلع الحرب الآن؟" 
يبقي وجهه على الشباك يرى انعكاس أرضية الغرفة على الزجاج:مربعات كثيرة كثيرة مختلفة الألوان ويرى وجهًا "لمن هذا الوجه؟هاي يا أنت! من أنت!؟"
 يشعر بالوجه يتبدل لكنه لا يزال يشبهه ويواصل تبدله

 "
لمن هذه الوجوه التي تشبهني ,أنظر الى هذا انه يشبهنني كثيرًا لكنه يضع طربوشًا وله نفس عينيّ وهذا أيضًا له نفسه اللحية والأنف لكنه يرتدي عقالا,من هذا أيضًا هو كذلك يشبهني بشرته الحنطية وشفتاه تشبهان شفتيّ!! من هؤلاء؟من أنتم؟ من نحن؟" يتذكر ما قاله لصديقه اليوم:"العرب بدون 100 سنة ليصيروا حيوانات حتى قبل ما يصيروا بشر" 
وما قاله الشرطي الذي كان يطرد صاحب عربة الخضار العجوز من أمام مبنى البلدية:"العرب جرب لو شو ما عملو"
"
لكن من هم العرب؟ أليس الشرطي عربيًا؟ أو جارتهم التي لطالمت شتمت أهل الحيّ أليست منهم؟ أستاذه في الجامعة اللذي يؤكد دائمًا أن اللبنانيين شعبٌ تافه ألا ينتمي مثلهم إلى هذا الـ"لبنان"؟ أنا أيضًا ألست مثلهم؟ أنتمي لهذا الحي ولهذا اللبنان ولهؤلاء العرب؟ألست عربيًا أنا أيضًا؟لماذا هذه الوجوه كلها؟أنا أيضًا عربي,أنا أيضًا"
 
الوجوه لا تزال تتقلب على الزجاج.يضرب الزجاج بقبضته فيتناثر إلى الأسفل.
صوت منخفضٌ أكثر من الصوت الأول يوقظه مرّة أخرى وألسنة اللهب ترتفع من مكانٍ بعيد قليلًا.
يبدأ بالصراخ بشكل هستيري:"ولعت الحرب,ولعت,علقت مرّة تانية" يخرج من الغرفة وهو يواصل صراخه الهستيري ويبحث في المنزل عن أهله دون أن يجد لهم أثرًا.
"
اللعنة عليهم أين ذهبوا؟أمي اللعينة تركتني وحيدًا مرّة أخرى.ألهذا كانت نزقةً معي حين كنت في الحمام منذ قليل؟ تبًا لها"
يدخل إلى غرفة الجلوس ويشغل التلفاز,الشريط الأحمر أسفل الشاشة يشير إلى اندلاع حريقٍ في أحد المحال التجارية الكبيرة سببه احتراق أحد مولداته الكهربائية قبل أن يسمع صوت صراخ عدد كبيرٍ من الرجال فيخرج إلى الشرفة ليرى جارهم يحمل بواب البناية وهو يركض وجسد البواب مليءٌ بقطع الزجاج.
 
يبدأ بالصراخ:"شو صرلو الناطور؟شو هيدا الانفجار اللي طلع من عندو من البيت ؟قصفو قصفوا حاجي تقولو انفجرت قنينة الغاز قصفوا قصفوا وولعت الحرب تاع ساعدني يا عمو الحرب علقت وأهلي الكلاب تركوني لحالي وهربو"
تخرج والدته إلى الشرفة تمسك به,تحضنه وتدخله إلى المنزل لكنه سرعان ما ينتفض ويدفعها بعيدًا عنه 
"
انتِ تركتيني اغربي عن وجهي ,,لقد تركتني,كلكم تركتموني,كلكم" 
ويبتعد.
 
موسيقى مأتمية تنبعث خفيفةً من مكان ما,يغضب أكثر ويألمه رأسه أكثر يدخل إلى المطبخ يشرب كوبًا من الماء
 "
لما مذاق الماء هكذا؟لما هو مالح؟" يشرب كوبًا ثانيًا وثالثًا "لماذا هي مالحةٌ هكذا!؟"
يحدق إليه شقيقه وهو يرتشف كوبًأ من الماء: "مش مالحة ولا شي انتَ نقاق" ينظر الى شقيقه بغضب ويضربه بقوة على رأسه
"اخرس أنت لقد هربت معهم أيضًا وتركتني وحيدًا"

يدخل إلى غرفته مجددًا وينظر من الشباك ذو القضبان ها هي جارتهم الثلاثينية العزباء الذي يقوم دائمًا باستراق النظر إليها بينما تقوم بتغيير ثيابها بعد عودتها من عملها,ها هي تقوم بما اعتادت القيام به كل يوم.
ما ان يراها حتى يبدأ بالصراخ
"
أيتها العاهرة,أيتها الفاجرة هل هذا وقت عريك؟الآن وقد اندلعت الحرب هل هذا وقت 
عريك؟ ساقوم باغتصابك أيتها العاهرة وسأظل أقوم بذلك بشكل متواصل إلى أن أقتلك" يهم بالقفز من الشباك لكنه يقف,يتحسس أسفل معدته
 "
لا يزال هنا,سأمزقها,سأمزق جسدها الغض ولحمها الأبيض الطريّ,سأمزق ثيابها كلها وسأمزق شفتيها الزهريتين بأسناني وأبصقهما على وجهها,"
يخلع القضبان المهترئة والمتخلخلة ويقفز محاولًا الوصول إلى شباك الفتاة التي ما زالت تنزع ثيابها قطعةً قطعة لكنه لا يتمكن من الوصول إلى شباكها ويبدأ بالسقوط وهو يصرخ لكن لا صوتًا يخرج من فمه,يحاول أن يصرخ أكثر,
"
أين صوتي؟ لماذا لا أسمع صراخي" 
قبل أن يصطدم رأسه بالأرض أمام باب بواب البناء والدم ينزف من رأسه بغزارة.
_______
المقطع الذي تقرأه الشخصية من كتاب, مقتبس من ما رواه جوزيف سعادة عن عملية انتقامه من قتلة ابنه في أيام الحرب الأهلية الللبنانية,لكنني قمت بإعادة تخيل الحادث مع الإبقاء على حكاية علبة الكبريت , ولا أذكر إن كانت الفتاة بالثوب الأبيض من ما رواه   
سعادة أيضًا. \ ملاحظة أضيفت في 26\8\2012

الاثنين، 13 أغسطس 2012

موتٌ ليلة القدر

يسير رامي وشقيقه حسن الشيخ جنبًا لى جنب في أحد شوارع المدينة,الأضواء الصفراء تنير ليل الشارع وليل المدينة الطويل.اليوم هي ليلة القدر والشقيقان لا يشعران بأهمية كبيرةٍ لهذه الليلة رغم الحاح أمهما المتواصل عليهما بضرورة الذهاب إلى المسجد لإحياء ليلة القدر اليوم أو من أجل صلاة الجمعة أو حتى من أجل الصلاة فقط في الأيام العادية,فالمسجد لا يبعد عن منزلهم سوى خمس دقائق ولا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد يقول الرسول.

الأخوين اللذين لا يزالان صغيرين في السن لا يشعران بما تقوله أمه رغم تفهمهما له ومحاولتهما ارضاءها قدر الامكان.
الأخوين يفرحان بأمور آخرى فرامي الأكبر سنًا يحب الجلوس على الشرفة القريبة جدًا من الشارع مراقبًا المارة والمشادات اليومية بين أبو كريم صاحب البناء وأصحاب المحال المتأخرين عن دفع أجارتهم كما هو الحال في كل شهر ويحب أكثر التفرج على الوجوه أكثر من أي شيءٍ اخر,الوجوه والمزيد المزيد من الوجوه وخاصة وجوه الفتيات كانت وجوهوهن تسحره وتملأه بسعادة غريبة تخلف على وجنتيه احمرارًا غريبًا.أما حسن فيتمنى لو كان بامكانه حمل الراديو معه أينما ذهب لكي يستمع للأغاني الفيدمة التي كان رأسه يمتلأ بها,وكان كلما سمع أغنيةً أكثر قدمًا كلما شعر بالفرح أكثر.وكثيرًا ما كان يتخيل نفسه عازف عود أو مطربًا كبيرًا بالأسود والأبيض يقف الناس للتصفيق له.

كان الأخوان يسعدان بأمور كهذه ولم يشعرا يومًا بذلك الاحساس الذي ينتاب أمهما وتلك السكينة التي تلفها أثناء قيامها بأعمال ليلة القدر أو أثناء الصلاة أو خلال أي فريضة دينية آخرى.
لكن في كل الأحوال فلقد وعد الصبيان أمهما بأن لا يتأخرا في قلب المدينة و أن يعودا بأسرع وقتٍ ممكن إلى المسجد لتأدية أعمال هذه الليلة.
لم يكن الشقيقان يحبان قلب المدينة لكن سهولة الوصول والعودة من هنا دفعتهما للمجيء:أثرياء,أثرياء والكثير منهم تمشي معهم كلاب مدللة مختلفة الأنواع قد يفوق سعر الحبل المربوطة فيه سعر ما أرتديه أنا وسامي -يفكر حسن-,والكثير الكثير من الفتيات القبيحات اللواتي على ما يبدو يتبارين في من منهن تكشف عن "محاسنها" أكثر من الآخريات -يفكر سامي-.
وبينما هنا يلتهمان لوحين من الشوكولاتة يرن الخلوي الذي أعطته الأم لسامي فيضغط الصبي على الزر الأخضر لتسأله أمه إن كانا قد عادا إلى الجامع.يبحث الصبيان بسرعة عن سيارة أجرة وبسهولة يجدان سائقًا -تشير اللوحة الموضوعة داخل سيارته-على أنه يسكن في منطقة قريبة من منهما في إحدى الضواحي ويبدو على وجهه الملل والنعاس.


... يقترب الأخوين من مدخل المسجد وهما يحدقان ببعض الصبية اللذين جلسوا على الرصيف يتحدثون و بشاب وفتاة يتحدثان والحياء يملأ وجهيهما وبينما هما يقومان بخلع الأحذية يظهر أحد أصدقاء سامي ويطلب منه المجيء معه لأن هناك شيءٌ ضروريٌ يريد اخباره به.يومئ رامي لشقيقه حسن بأن يسبقه ويمضي إلى خارج الجامع مع صديقه الذي يبدأ بإخباره عن كيف تمكن من مشاهدة إبنة الجيران وهي تقبل أجير صاحب الدكان على الدرج وفيما هو مستغرق في وصف استراقه للنظر من شق الباب حين كان يهم بالذهاب للعب كرة القدم سطع ضوء شديد الوهج تبعه صوتٌ قويٌ جدًا واحساسٌ بالفراغ وبهواءٍ ساخن وحجارة تتطاير.الأم التي كانت تحيي الليلة في المنزل وقعت أرضًا من قوة الانفجار والقناة التي كانت تنقل من الجامع أصبحت شاشتها زرقاء صامتة.

...في اليوم التالي وجدت جثة حسن تحت ركام المسجد وعلى القناة التي أضحت البارحة زرقاء ظهر رجل ذو وجهٍ انساني عادي مع لحيةٍ طويلةٍ بعض الشيء مؤكدًا مقتل عدد كبير من المنافقين في الانفجار الذي استهدف الجامع بينما أعمي صديق رامي إلى الأبد.
ومن يومها نادرًا ما كان رامي يجد أمه تصلي وتوقفت عن الطلب منه الذهاب للصلاة في المسجد أما هو ففي يوم دفن أخيه أحس بلذة غريبة تملأه أثناء الصلاة على الميت ومن وقتها لم يغب يومًا عن الصلاة في المسجد.

الخميس، 9 أغسطس 2012

الله,الخلق وصبيٌ يهوى الحديث عن ما لا يحكى عنه


عندما خلق الله الوجه حدّق فيه طويلًا 
ثمِلَ في الشغَفِ اللامِعِ في العينين
والكرز الشبٍقٍ في الشفتين
عندما خلقَ الله الوجه كان إلهًا ففكر بما قالَهُ شاعر سيأتي بعد آلاف السنين:
"
هل خلق الله الخمرة حتى لا نشربها؟"
وصمت طويلًا ثم سأل نفسه:
هل خلقتُ الشفاه كي لا تتلامس ؟
والعيون كي لا تتلاقى؟
والشعرَ المبلل بالرذاذ المنعش كي لا يتشابك ؟
ثم غفى ثملًا و أفاق بعد آلف عامٍ على موت الشاعر على صورة آدم
******

عندما جلس قُبالة الفتاة في المقهى
-
صبيٌ ذو شعرٍ أسود لا الله-
غرِق في خطوط يدها وقال لها:
هل خلَقَ الله الكف ليحمي تفاصيل الوجه من غيرة الذراع الخاوية؟
"
أصابعٌ خمسٌ في عين الحسود وراحة تملأها خطوط لشدة اختلافها تتطابق لا تحمي الوجه كثيرًا يا صغيري"
******
أسفلُ الرأس
رقبةٌ ملساء,كتفٌ منساب
ونهدٌ مثاليُ التكوين
 بحجم إجاصة لا يزيد عن راحةِ اليد ولا ينقص,يقول شاعرٌ آخر سيأتي بعد آلاف السنين أيضًا
يُفَكِّر الله:
"له ما يريد نهد مثالي التكوين لا ينقص ولا يزيد
ولي أنا ما أريد:
نهدٌ مكتظٌ بحليب دافئ يقطر من حلمة زهرية لن يرضعه الشاعر الا من صدر أمه”
******
"البطنُ غوايةٌ مخفية:
حبلُ السرةِ عقد منذ الولادة على حكايا الروح ما قبل الجسد وعلى سري
السر الأكبر:سر الخلق"
******
أسفلُ المعدة
أصلُ الغواية
إلتقاء الخالقِ بمخلوقه
وعودة الضُلعِ إلى مكانه وإلتحام الجسد
لثوانٍ قليلة كأنها الأبد
******
"القدمين هديتي لهم -يقول الله-
من دونهما لا قيمة لأجسادهم
أكوازُ الرمانِ حباتها منفرطة تحت أقدام ابني
والمجدلية تلثمُ القدمين المباركتين"
******
"الصبي الذي كتب
عن متعة الجسد قبل أن يعيشها سأحرمه منها
فهذا إغواء لم أخطط لخلقه قبلًا:
إغواء الخيال"

_______________________________________

(1) : من قصيدة محمد علي شمس الدين "آدم لا يندم" من ديوان أميرال الطيور

(2): بتصرف من نص محمود درويش في حضرة الغياب,الجملة الأصلية: "الاجاصة 
نهد مثالي التكوين لا يزيد عن راحة اليد ولا ينقص"


الأحد، 5 أغسطس 2012

نص لــ صباح جلول - عن جولي ودامبو وآخرين


التلفاز المضاء وصوتُ Julie/Juliette
"
الآن ترى أنني تماماً كما أيّ امرأة أُخرى..
إنني أعرق، وأسعل، ولديّ تسوّسات.
إنّك لن تشتاقَ إليّ، أنتَ الآن تفهمُ ذلك.
أغلِق الباب عندما تغادر."
____________________________

في الغرفةِ هواءٌ مأتميّ السكون.
هواءٌ من النّوع الذي يسمح للأمنيات أن تتكاثر، وتنتشر، وتزداد خطورةً، فقط لتعودَ وتتخابط مع الحيطان الأربعة، لتتفسّخ (الأمنيات لا الحيطان) وتتكسّر شرّ تَكَسّر، كما الكرةُ الزجاجيةُ التي أهدتني ايّاها جدّتي مرّة، وكانت "تصنع" ثلجاً عندما أقلّبها (نوستالجيا هزيلة حقاً، لن أذهب بها بعيداً). 
في الغرفةِ هواءٌ مأتميّ السكون، ما خلا تكّات ساعة الحائط. إنّه ذلك العقرب الصغير المزعج نفسه. 
صورة لِ"دامبو" تتوسط أرقام الساعة الدائرية بإطارٍ أزرق. العقرب- ذيلُ الفيل "دامبو" - يدور بمعدّل إزعاج واحِد في الثانية. منظره غريبٌ فعلاً عندما ينتصف الليل أو النهار.

"
ليتَ لي وجهاً يشبه هذه الموسيقى .."
*
كُرةٌ زجاجيّة تنسحق في مكان ما*
"
ليتهم رِجالاً ونساءً أحبّوا شِعر 'قبانّي' أقلّ وصوتَ الرياح وفيروز أكثر"
*
كرةٌ زجاجية تتحطّم في مكانٍ ما*
"
ليته ذيل دامبو قد شُلّ في ال 48، 67، 75، وأوقات أُخرى منفردة متفرّقة كثيرة كثيرة.."
*
كرةٌ زجاجية تنفجر في مكانٍ ما*
........

كومَة من المسحوقات إذن..
في الغرفةِ هواءٌ مأتمي السكون، ودمارٌ جديدٌ جديد، كرائحة المقاعد الجلدية لسيارةٍ عظيمة مهيبة تركن تحت الشمس، اشتراها مال نفطي للتوّ..
____________________________________ 

على الشاشةِ، تُعدَمُ الأشياءُ وجودَها
لِصالح قطعة سكّر واحدة ، بيضاء ، تمتلئ بالقهوة، قليلاً ، قليلاً ، خلالَ ثوانٍ خَمس.