الاثنين، 15 أكتوبر 2012

الدولاب - فرض 1 لمادة السيناريو



الشمس مشرقة والسماء زرقاء صافية.عصفورٌ يغرّد على شباك نافذتي.لا أبواق سيارات في الشارع ولا صياح باعة, انه يومُ أحدٍ مثالي.أفقت في العاشرة, تحممت, تناولت فطوري ثم وقفت أمام المرأة, مشطت شعري الأسود وحلقت ذقني التي لم أحلقها منذ زمن.لاحظت وجود بقعةٍ سوداء فوق فمي فظننتها بقايا لوح الشوكولاتة الذي أكلته البارحة قبل نومي, حاولت ازالتها لكنني لم أنجح. قرّبت وجهي من المرأة فأكتشف أن البقعة السوداء شامة نبتت خلال المدة الطويلة التي أطلت فيها لحيتي.رفعت عينيّ عنها فرأيت انعكاسهما في المرأة وانتبهت لأول مرّة ٍ أن لونهما بنيٌ وليس أسود كما ظننت منذ ولادتي.
خرجت من المنزل وبدأت بالسير من شارعٍ إلى آخر. كانت الشوارع شبه خاليةٍ إلا من بعض الفتية الجميلين الذين يلعبون كرة القدم أو يلاحقون القطط لإطعامها.ظللت أسير حتى وصلت إلى مدينة ملاهِ كبيرةٍ جدًا لا يوجد بها إلا دواليب دوارة متعددة الأحجام لتناسب الكبار والصغار وعلى كل واحد من هذه الدواليب عاملٌ مسؤول عن تشغيله والتحكم به. دفعت ثمن البطاقة وصعدت إلى إحدى الكابينات. إلى جانبي رجلٌ عجوزٌ جدًا يتكئ على عكاز ومعه فتاة جميلة بشعر أسودٍ طويلٍ وعينان بنيّتان كعيناي.
بعد أن امتلأت كل الكابينات في كل الدواليب أعطى رجلٌ يجلس في غرفةٍ من زجاج الأمر للعمال بتشغيلها. بدأت الدواليب بالدوران ببطئٍ وأخذت سرعتها تزداد شيئًا فشيئًا. كل ما ازدادت سرعة الدولاب كلما ازداد ضحك الأولاد من حولنا وفرحهم, وطالبوا العامل بزيادة السرعة أكثر. فجأةً جنّ العجوز الجالس قربي وأخذ يشتم الأولاد بصوتٍ مرتفع طالبًا من العامل تخفيف السرعة لكن الأخير لم يعره أيّ اهتمام ورفع السرعة كثيرًا مستجيبًا لرغبة الأطفال. عندها طارت العكاز من يد العجوز وبدأ جسمه يتخلخل فتطايرت أصابعه بعيدًا. في الوقت الذي أضحت فيه سرعة الدولاب جنونية, تناهى إليّ صوت العامل يضحك ضحكة شريرة وواصل العجوز تفككه, فطار رأسه وقدميه وطارت يداه ومعدته. كذلك بدأ الناس يطيرون من الدواليب الأخرى, وتحولت الفتاة الجميلة لساحرةٍ عجوزٍ شمطاءٍ, أخذت تضحك مني بتشفٍ وسخرية. فغضبت منها وقمت لأضربها لكن الدولاب انقلع من مكانه وطوّح بي بعيدًا في السماء بينما طارت الساحرة الشمطاء على ظهر مكنسة قش أصفر.
بعد أن قذفني الدولاب بعيدًا مع الكثير من الناس الأخرين ظللت أطوف في السماء لسنوات عديدة, رأيت خلالها الكثير من المدن والأبنية والشوارع والناس, وشاهدت أيضًا الكثير من البحار والأنهار والسفن والمراكب المتعددة الألوان وتنقلت بين الكواكب المختلفة. وكثيرًا أيضًا ما صادفت أناسًا من من قذفهم الدولاب وكنت أبادلهم التحية وأسألهم عن أحوالهم.
لكن فجأةً و في أحد الأيام بدأت بالسقوط من الأعلى وأخذت أقترب من الأرض بسرعةٍ شديدة, كادت إحدى الطائرات الشراعية أن تصطدم بي بينما حاول طائر غريب الشكل أن يلتهمني لكنني سارعته بلكمة على منقاره فلجمته وواصلت سقوطي. أخذت البنايات تكبر وتكبر والسيارات كذلك وبدا البشر كنملٍ يكبر في كل لحظة عشرات المرات. وحين أخذ كل شيءٍ يصبح واضحًا بتفاصيله الدقيقة تمكنت من التعلّق بشرفة إحدى الشقق في بناية رمادية اللون.تمسكت بالدرابزين بكل ما أوتيت من قوّة, وكان على الشرفة 3 أطفال يتبارون فيمن يستطيع بينهم أن يبصق في رأس أحد المارة في الشارع.  صرخت بهم طالبًا مساعدتهم فاقتربوا مني بحذر وهم يمعنون النظر في هذا الكائن الذي سقط عليهم من حيث لا يدرون, قبل أن يتشجع أشدهم سمنة ويقترب من الدرابزين مادًّا رأسه ليصبح فوق رأسي فيبصق فيه ثم يعيده للخلف. ليقول للتوأمين ذوي الشعر الأشقر أنه الفائز لكن الطفلين يغضبان ويتهمانه بالغشّ ويدعسان على قدميه فيقوم الفتى ذو الخدود المتوردة بلكمهما, ويرتفع صياحهم غير ابهين لوجودي.يدي المتعرقة لم تمكنني من  التمسك بحديد الدرابزين الأملس فهويت. لكنني نجحت بالتمسك بشرفة الطابق الأسفل, حيث كان يجلس رجلٌ يشاهد نشرة أخبارٍ يؤكد المذيع في بدلته الرسمية وابتسامته العريضة سقوط مئات القتلى وقرب انهيار النظام بينما تقوم زوجته برميّ ابنها بالشحاطات وهي تشتمه وتشتم الساعة التي أنجبته بها. حاولت أن أصرخ بهم لكنهم لم يستجيبوا لي حتى هرب الصبي من أمه إلى الشرفة ورأني فصرخ فزعًا مشيرًا إليّ. عندها رأتني الأم وأخذت تولول بصوتٍ مرتفع وهي تشتمني وترميني بالشحاطات بكل ما أوتيت من قوة فاختلّ توازني وسقطت مرّة أخرى. لكن حسن حظي جعل قميصي يعلق بقضيبٍ حديديٍ نافرٍ من إحدى الشرفات, مما سمح لي بأن أتمسك بالدرابزين للمرّة الثالثة. في هذه المرّة كان هناك امرأة ثلاثينية تشاهد مسلسلًا على التلفاز, حين هممت بمنادتها بدأت بالبكاء والنواح دون أن تعيرني أيّ انتباه. في الوقت الذي أطلّت به المرأة من الطابق الأعلى موجهةً إليّ رميتها الأخيرة التي أصابتني في رأسي إصابةً مباشرةً. فسقطت وارتطم رأسي بالأرض والدم ينزف منه بغزارة ثم متّ. فتجمع الناس حوليّ بكثرةٍ, وقام أحدهم بطلب الشرطة والاسعاف.امتلأ الشارع بالناس وازداد التجمع حولي متسائلين عن هوية الفتى الميت, وبقوا جميعًا منتظرين وصول سيارة الاسعاف التي لم تأتي, رغم أن الشمس أخذت بالمغيب.
 عندئذٍ شعرت بالشفقة على هذه الجموع المنتظرة فتحسّست الجرح في رأسي وتأكدت من توقف النزف, ثم قمت واقفًا. نفضت الغبار عن وجهي وعن ثيابي, و اعتذرت من الناس على جعلهم ينتظرون كل هذه المدة وعدت إلى منزلي فرحًا مسرورًا.