الخميس، 20 يناير 2011

يوم عادي ليس ككل الأيام



صورة غريبة تنبعث في رأسه فيستفيق كما الأموات.يفتح عينيه اللتين لم يعرف يوما لونهما و ينظر دون ان يرى شيئا:سواد غريب يلف الغرفة ككل صباح.

يشق طريقه بصعوبة إلى خارج الغرفة مستعينا بشخير شقيقه الاكبر في الغرفة المجاورة,يدخل إلى المطبخ يفتح أحد الجوارير ويبدأ بالبحث عن شمعة مصدرا صوتا يقلق راحة النائمين,يجد ضالته, يشعل عود الكبريت ويضيئها.


يعود إلى غرفته مستعينا بضوء الشمعة المتراقص,يفتح خزانته ويغرق فيها باحثا عن ملابسه ككل يوم.

ها هو الان يسير ببطئ إلى باب المنزل ,نور خفيف كان قد بدأ بالانبعاث عبر النوافذ.يضع الحبيقة المرمية على جانب الباب ثم يفتحه ويخرج وككل يوم ينزل على الدرج المعتم  محاولا عدم السقوط على وجهه.

وككل السنوات السابقة ينطلق إلى ذلك المبنى ,كل صباح في كل يوم في كل أسبوع من حياته, يمر بالشارع نفسه والأبنية نفسها والأشخاص أنفسهم حتى ذلك العجوز بثيابه القديمة وقبعته الصوفية التي كان يرتديها بالصيف والشتاء يلقي  عليه التحية وهو يحاول فتح باب محله الحديدي .كان يرهقه هذا الشارع الخالي من أي روح فيسرع الخطى هاربا.

يصل إلى بناء المدرسة ويقف دون سبب منتظرا مرور أحدهم,ثواني قليلة تمر ثم يركض مسرعا إلى الداخل قبل أن يقوم الحارس بإقفال الباب بوجهه  إن تأخر أكثر.كان يكرهه,كان يكره كل من في المدرسة لكنه دائما ما حاول إيجاد أعذار لهم حتى هذا الحارس, كان يشعر بأنه يحتاج للاحساس بالقوة ولحظة غلق الباب في وجه احدهم هي الوحيدة التي تمنحه ذلك.

يقف الان داخل المبنى في ظل أعداد لا متناهية من الفتيان:كانت مدرسة للذكور ولكنه كان يعتقد بوجود جنس أخر وتأكد من ذلك حين أخبره رفيقه بكل شيء,مشهد الذكور هذا كان يصيبه صبيحة كل يوم بنفس الرعب الذي أحس به في المرة الاولى.

هنا أيضا يجب صعود لدرج ,مشكلته كانت بأنه هذه الادراج لا تتغير ولكم تكن يوما بالصعود والنزول.

يصل إلى الصف منهكا بعد نجاحه في الخروج بسلام بين أفواج التلاميذ الصاعدة على الادراج التي لا تتغير ,ينظر إلى الأستاذ الدائم الابتسام وهو يرمي بنفسه على المقعد مستمعا إلى ثرثرة الرجل الضاحك اليومية.

وقت طويل يمضي قبل أن يدخل ذلك الفتى الأشقر المغرور بثيابه الغريبة متاخرا كعادته ,جالسا أمامه وموزعا نكاته السمجة على جميع من حوله.

ذلك كان يحدث يوميا لكن هذا اليوم لم يكن كغيره من الأيام,في هذا اليوم اجتاحه شعور غريب انها تلك الرغبة الغامضة بالتغيير,لم يكن يحب هذا المغفل لذا رفع يده اليمنى إلى أقصى درجة ممكنة وهوى بها على الرأس الموجود أمامه :صوت قوي ,نكتة تتحول إلى شتيمة وضحكة حمقاء تتحول إلى أنين .

تهرع الناظرة إلى الصف ويتبعها المدير الطويل المفرط في سذاجته ,الصبي الأشقر يدفن رأسه تحت يديه والفتى جالس خلفه وابتسامة خفيفة تظهر على وجهه.يبدأ ذلك الساذج بالكلام يزيد من حدة كلامه  تارة ويخفضها تارة أخرى لكن هذا اليوم لم يكن ككل الأيام كان قد مل منه ومن حديثه المثير للغثيان ,في هذه اللحظة مرت جميع السنوات السبعة عشر الماضية في رأسه ,تذكر كل شيء من البداية إلى الصورة الغريبة التي رأها هذا الصباح,انتفض واقفا,اقترب من الرجل ولأول مرة لم يراه طويلا -كما اعتاد- وانفجر فيه غاضبا مفرغا كل ما في قلبه منذ سبعة عشر عاما إلى اليوم وشاتما إياه بمختلف أنواع الكلمات التي تعلمها في هذه المدرسة .يخرج من الغرفة ويصفق الباب بقوة مخلفا وراءه صمتا طويلا .

كان يرى العالم رماديا لكن هذا اليوم لم يكن ككل الأيام ,يدفع البوابة بقوة ويخطو خطوته الاولى خارج المدرسة فيرمي الله بدلو ألوانه من السماء مالئا  دنيا الفتى بالألوان .

يرمي نظرته الاخيرة على المبنى الذي أصبح بنيا ,يطلق صرخة قوية وينطلق راكضا في ذلك الشارع الضيق مقبلا المارة ,معانقهم وملقيا" التحية على الجميع.في حالة جنونه العاقل هذه تمر سيارة زرقاء مسرعة و ترمي بجسده إلى الجانب الاخر من الطريق.

لم يحدث شيء مهم حقا ,,,

                                      لقد مات فقط كالكثيرين غيره في ذلك اليوم العادي

الأحد، 9 يناير 2011

رائحة الجدّات

كان كغيره من الأطفال في تلك القرى الواقعة خلف التلال لكنه كان أكثر سمرة ونحولا من غيره ,هذا ما كان يقوله أقرانه.


قليل الحركة شارد الذهن في الكثير من الاحيان,يحب جدته جدا تلك العجوز انهكت أنهكت التجاعيد وجهها مخلفةفيه أثرا لن ينمحي.دائما ما أحب صوتها الحنون حين تغني وأحبه أكثر حين كانت تروي له القصص,لم تكن كغيرها من الجدّات كان تعرف الكثير من الحكايات وكان هو حفيدها المفضل.


دائما ما كان يبيت عندها في ذلك البيت الحجري القديم البعيد عن الطريق والمتواري خلف أشجار الزيتون.


للنوم عندها مذاق أخر,سر غريب كان يشده إلى ذلك المنزل وإلى ذلك الجسد الذائب من التعب والصورة الموضوعة في منتصف احدى الغرف لشاب مبتسم لم يعرفه من هو.جدته لم تكن تتكلم عنه ,أحد  لم يكن يتكلم عنه ولكن في كثير من الحيان يأتي أناس غرباء إلى المنزل راغبين برؤية والدة الشهيد .لم يعرف من المقصود ولكنه لم يسأل يوما.


في كل ليلة يضع رأسه على المخدة ويلتحف بغطاء قديم كان أنفه يمتلأ برائحة غريبة,كان يسميها " رائحة الجدّات".تلك الرائحة كانت تخلق في رأسه صورا لا تنتهي عن المعارك والقتال المشتعلين خلف التلال.


هذه المعارك لم تكن تخيف أحدا في القرية,رغم أنها كانت تقترب يوما بعد يوم منهم. هو نفسه لم تكن تعني له شيئا لم يكن يربطه بها شيء باستثناء الرائحة الغريبة على العكس كان سعيدا بها فقد عطّلته عن المدرسة وأراحته من المعلم الغاضب دائما.


 تلك الليلة كانت كغيرها من الليالي الكثير التي قضاها عندها,مساعدا اياها في مسح الزجاج وتحضير الطعام وإشعال المدفأة الكبيرة,انهمر الثج بقسوة وبرد الطقس جدا فأسرع إلى الفراش متقيا البرد.


صبيحة اليوم التالي كانت الأغرب ,أفاقه صوت الرصاص ونزول القذائف,سمع احدهم يصرخ قائلا بأن العدو قد أصبح في ساحة القرية.
عتدها انتشرت تلك الرائحة الغريبة في أنحاء الغرفة وامتلات رئتيه بها.


 انتصب الصغير واقفا,ارتدى معطفه البني الملقى على حافة الأريكة,لبس حذاءه الأسود المهترئ الموجود قرب الباب,فتح البوابة السوداء الكبيرة وانطلق مخلفا المنزل الحجري وراءه وصاعدا مسرعا وهو يجمع الحصى .


ظل يركض حتى خرج من أحد الازقة وأصبح في الساحة ,رفع يده ورمى الحجر,وفي تلك اللحظة انطلق وابل سرمدي  من الحجارةو واندفع من بين الأزقة سيل لا ينتهي من الأطفال.


 تلك كانت البداية