الأربعاء، 25 مايو 2011

قرنفلة بيضاء في سيلٍ من الأشواك (ق ق ج 4)

1|
كانا يجلسان على مقعد خشبي على شرفة غرفتها ينتظران الفرصة المناسبة لكي  تحضر الفتاة مفتاح  من الداخل لكنها خافت ان توقظ والديها وشقيقتها النائمة واللذين لم يعرفوا بوجوده عندها.
بعد طول إنتظار دخلت غرفتها الرمادية الجدران, بحثت قليلاً وسرعان ما وجدت المفتاح .دسته في جيبها وعادت إلى الشرفة أنزلت ضفيرتها إلى الرصيف ونزل هو متشبثاً بها,عند وصوله رمت هي بنفسها بين يديه وأسرعا إلى أقرب زاوية,خلع قميصه كاشفاً عن صدره.كانه هناك قفل ما,أدخلت المفتاح فيه فانفك.وجدت قلبه هناك حملته بيديها بتأني ثم أخذت تعدو .

2|
طرق صبي باب منزله كانت تلك المرّة الأولى منذ زمن بعيدٍ فهو أضحى منسياً كليّلةٍ ممطرةٍ في تموز وطلب منه أن يهديه ديوانا من دواوينه ممهوراً بتوقيعه.
بحث الرجل طويلاً في أكوام كتبه لكنه لم يجد أي نسخةً من كتبه.
عندها خطّ هذه الأسطر على ورقةٍ بيضاء,مهرها بتوقيعه وأهداها للصبي.

3|

بيــ...تزا
بيتزاااااااااا
بيت  زا
بتزا

كان يردد كلمة بيتزا بأشكال مختلفة فهو يريد أن يختار الأجمل لفظاً بينها لكي يسمعها قصيدة "فكرتي تأكل بيتزا"...
 بعد أن انفجرت في وجهه قنينة الغاز كتب لها:
"أنت فكرتي,وأنا لا أحب البيتزا" 

 
4|
 فتح احمد علّوش إبن الأعوام العشرة عينيه صبيحة ذلك اليوم وأحسّ بوجود شيءٍ غريب,الجدران بلا ألوان,ملابسه كذلك,الخزانة,الأرضية.فتح الستارة التي كان لونها قد اختفى أيضاً ونظر عبر الشباك ووجد كل شيءٍ رمادياً خالياً من الألوان,الشمس,السماء,الجبال,الأشجار,الأبنية,السيارات...
ذعر مما رأه وسيطر عليه حزن ممزوج بخوف غريب .أدار التلفاز وبحث عبثاً بين القنوات عن مذيعٍ بثيابٍ ملونة أو عن بيت وحديقة بغير الرمادي.

قرر عدم  الذهاب إلى المدرسة وحين أطلّ برأسه مرة أخرى من الشباك رأى مجموعة من الأشخاص بلا ملامح في زقاقٍ جانبي يحملون صناديق كبيرة من أقلام التلوين وعلب الدهان وأدوات الطلاء ومن ثم يضعونها في شاحناتٍ تأخذهم بعيداً.
عندها اجتاحه غضبٌ شديد وقرر منعهم من سرقة الألوان من العالم,فتح باب البيت ووصل إلى الشارع سريعاً يعدو وهو يصرخ بالناس طالباً مساعدته بإلقاء القبض على المجرمين لكن أحداً لم يهتم بدعواته بل أخذوا يسخرون منه مؤكدين أن كل شيءٍ على حاله والألوان لم تختفي  فالخياة تجري بشكل عادي.مع ذلك لم يعبئ أحمد بأي منهم ولم يثبط ذلك من عزيمته بل واصل ركضه باتجاه "الحرامية" حتى وصل إليهم لكنهم ما إن رأوه حتى ولّو هاربين والذعر يملأ قلوبهم وسقطت منهم علبة  تلوين ما ان رأها الفتى حتى انقض عليها ممسكاً بها بكلتا يديه و استدار عائداً إلى المنزل.

وقف أمام شباك غرفته وفتح علبة الأقلام.لوّن الشمس بالأصفر والسماء بالأزرق وأعاد اللون الأخضر للأشجار ومنح الأبنية والسيارات ألواناً جديدة تضج بالحياة.
وضع الشنطة على كتفيّه,خرج من المنزل مغلقاً الباب وراءه ومضى إلى مدرسته رغم بداية الحصة.




5|
صرخ الأب غاضباً منادياً ابنه.أسرع الفتى لعند والده فأمره الأخير أن يكتب رسالة من جملة واحدة:
"يلعن أبو هالشغلة"
                          صمت قليلاً ثم قال:"يلعن ام هالشغلة"
 نظر إليه الصبي وسأله:"بابا,امها ولا أبوها!؟"

6|
كانت فتاة بشعرٍٍ غريب اللون تسأل دوماً عن موعد إنتهاء الشتاء لكي تشتري المثلجات.
وعندما يقولون لها بأنه انتهى-أي الشتاء-,كانت تجلس طوال الوقت تسأل عن سعر "حبّة" المثلجات.
عندما كانت تعبر الشارع إلى الدكان حيث يوجد برّاد المثلجات,دهستها عربّة كبيرة حمراء تبيع المثلّجات.

ثم بدأ المطر ينهمر بغزارة.

7|
مضى وقتٌ طويل على أخر زيارةٍ له إلى الجامع لكن شعوراً غريباً دفعه للذهاب في ذلك اليوم الذي كان جمعة.
خلع حذاءه ووضعه في المكان المخصص لذلك واتخذ لنفسه مكاناً بين المصلين مستمعاً لخطبة الشيخ الذي كان يصرخ مهدداً  الناس محذراً اياهم من خطر الأغاني ومؤكداً حرمتها:
"إن الأغاني حرامٌ,حرامٌ,حرامٌ ...انظروا لقبر عبد الحليم حافظ كيف يتصاعد منه الدخان كل ليلة,أنظروا للمغنية نورا كيف ماتت وهي تغني على خشبة المسرح وأم كلثوم التي تتغنّوا بها اذهبوا لقبرها وأسمعوا صوت الصراخ يعلوا من قبرها في الليالي..."
فجأة دخل رجال الشرطة إلى المسجد انزلوا الشيخ عن المنبر واقتادوه إلى المخفر وبدأ الناس يتهامسون مؤكدين أن الشرطة وجدت أدّلةً تؤكدعلى تعاونه مع العدو.
لم تمضي سوى لحظات قبل أن يعتلي المنبر شيخٌ أخر مكملاً التهديد والوعيد بالويل والثبور وعذاب القبور.

الأحد، 22 مايو 2011

فتى العزلة...


 

عندما التقط أول صورتين بحث لهما طويلاً عن إسمٍ  دون فائدة

عندما مات التقط رجال المباحث صورة ً للفتى مسجى بين الحكايات .

جمع صحافي الصور الثلاث وكتب في أسفلها:

                                               هذا ما تفعله سنوات العزلة,,
                                                                                           حلقات العزلة...

الأربعاء، 18 مايو 2011

"من يحدد لك مقدار حريتك؟"Persepolis 2007



























"من يحدد لك مقدار حريتك؟"


هذا هو السؤال الأول الذي تبادر إلى ذهني عند إنتهائي من مشاهدة فيلم برسوبوليس والذي يمكن اعتباره سيرةً ذاتية من منظور شخصي للكاتبة والرسامة الإيرانية مرجان سترابي.

--------------------------------------------------------------------------------


يبدأ الفيلم بكلام الفتاة"مرجان" عن حياتها كفتاة عادية تحب البطاطا المقلية والكاتشب,ترى في بروس لي مثلها الأعلى وعن حلميها اللذان ترغب في تحقيقهما:


الاول وكأي فتاة إزالة شعر قدميها!!()


الثاني أن تكون اخر الرسل لهذا الكون,حلم من منظار طفولي مليء بحب الأطفال الفطري لـ الله تعلقهم به في صغرهم وشعورهم بأنه قريبون منه,ممتلئون بالطهر والبراءة الإلهية المنزهة..

تبدأ المظاهرات ضد الشاه وتتوسع رقعتها,مظاهرات مؤلفة من شرائح المجتمع المختلفة,الفتاة المنتمية لعائلة يسارية تراقب تطور الأوضاع عبر أعين عائلتها الفرحة بالمظاهرات والمشاركة فيها في الزقت عينه,,

تتالى المظاهرات,يخرج الشاه في خطاب يعد المواطنين فيه بالعمل على الانتقال إلى الديمقراطية ومنح الحريات السياسية للمواطنين وبجعل إيران مثلاً يحتذى به,تفشل محاولته وتتسع رقعة المظاهرات أكثر,يقوم بقتل البعض لكن الحرية أقوى من أن يقمعها القتل فيهوي عن عرشه وتنتصر الثورة الشعبية.

عم مرجان "أنوش" الشيوعي والذي قضى فترة طويلة في روسيا,يخرج من السجن بعد 9 أعوام طوال من الاعتقال السياسي ,,العم أنوش يظهر بمظهر البطل بالنسبة للفتاة والتي يظهر تأثرها بالأفكار الشيوعية.

بعد إنتصار الثورة,,وكحال أي مجتمع "متخلف" يشكل الدين والعائلة سبيلاً للحياة وطريقة للعيش بالنسبة للكثيرين وخاصة الفقراء والأميين الذين يشكلون عدداً كبيراً من السكان,تربح الحركة الإسلامية في الاستفتاء لصالح قيام نظام حكم إسلامي ويهزم الشيوعيين وغيرهم,العم أنوش لا يزال على إيمانه بأن هذه مجرد مرحلة انتقالية كحال اي ثورة وأن الوضع لن يبقى كما هو.

لكن الواقع كان مختلفاً بدا التضييق على الحريات,ومنع كل ما هو على علاقة بالثقافة الغربية:الخمور,ورق اللعب,كاسيتات الفرق الموسيقية,الملابس الغربية الشكل,,وفرض التشادور ومنعت اللقاءات المختلطة.

في العام التالي تنشب الحرب مع العراق,بعدما حرضت الدول الكبرى صدام لكي يقضي على الحركة الاسلامية الصاعدة وهي في المهد,حرب طويلة جداً تستنزف الجانبيين,حرب عبثية في نظر الفتاة,تشتد الحرب ويشتد القمع,,عدد كبير من المعتقلين السياسيين من بينهم العم انوش,,الفتاة تروي صراعاتها مع مجتمع وثقافة جديدتين معارضتين للثقافة التي تربت عليها.

تترك الفتاة طهران لتذهب إلى النمسا بعد أن قرر والديها أن عليها ان تسافر حفاظا عليها,,في النمسا تستشعر الفتاة غربتها,وتتنقل من بيت إلى بيت تعلم بأنها غريبة في مجتمع غريب,لم تستطع في النهاية أن تصادق إلا مجموعة من الشباب المتمردين,وسعت إلى أن تكون منهم لكن في داخلها كانت تعرف أنها ليست منهم..تمر بمراحل عديدة في فيينا,الاحتقار كونها إيرانية,العلاقات الجنسية,المخدرات وغيرها.

بعد ان تعبت من نمط الحياة الغربية وبعد العديد من الصدمات على كافة الأصعدة,تنهك الفتاة وتقرر العودة إلى الوطن في وقت بدأ فيه الراديكاليون الإسلاميون يبسطون سيطرتهم أكثر وأكثر على البلاد.

صراعات متعددة تعود لتظهر,,وضغط كبير يفرضه عناصر الشرطة والحرس الثوري على الناس,وتدخل كبير في الحريات الشخصية.

بعد فشل زواجها -الذي فرض عليها لأنها لن تستطيع لقاء الشاب الذي تحبه الفتاة بسبب منع الاختلاط - تقرر الفتاة السفر إلى باريس,إلى بداية جديدة وعالم جديد..

في انتظار عودة إيران الحقيقية,إيران ايمان البسطاء,ايران الفنون والانفتاح الثقافي وايران التنوع الديني والايديولوجي.

--------------------------------------------------------------------------------



















رغم أن الفيلم أعطى صورة سوداوية جداً عن نظام الحكم الاسلامي ,ومبالغ فيها بعض الشيء,فاننا ان نظرنا للفيلم على أنه وجهة نظر شخصية وليس على أنه تأريخ لمرحلة حديثة من تاريخ إيران فاننا لن نجد فيه هذه الصورة المجحفة..أحداث تاريخية روتها فتاة ذات نشأة شيوعية لن تكون مؤيدة لنظام من هذا النوع بأي شكل من الأشكال,,العمل الفني لا يخضع للتاريخ وقصصه المملة والفتاة لم تطرح نفسها كمؤرخة.


مرجان لم تستطع التكيف في مجتمع استشعرت فيه الغربة رغم أنه بلدها وفي نفس الوقت لم تنجح في الاندماج مع مجتمع غربي مختلف كلياً عن مجتمعها الشرقي,لبنقطة الأهم الذي يركز عليها الفيلم برأيي هي من سمح لرجال الدين أن يفرضوا ارءاهم على الناس؟وبالتالي هل يحق لنظام ديني واسلامي تحديداً أن يحد من حرية الناس؟ وخاصة أن هذا النظام يطبق الدين حسب فهمه له ولكن الاشكالية الأهم التي نخرج بها من الفيلم تكمن في أن أي نظام أو أي مجموعة قانونية لديه قوانينه الخاصة,لديه أفكاره التي يؤمن بها ويسعى لتطبيقها ولكن هل يحق له فرض اراءه على الناس ؟,,ما هو مقدار الحرية الفردية ومن يحددها؟؟,هل يمكننا أن نعيش من دون قوانين وفي الوقت عينه هل يمكننا العيش في ظل قوانين لا ترضينا؟..جدلية من الصعب جداً الاجابة عليها بل ربما من المستحيل أن نستطيع الإجابة عليها.


الفيلم كان متميّزاً على الصعيد الفني,,استخدام الابيض والأسود أضفى عليه بعداً أخر,الفلاش باك ,الرسمات التي تضفي جواً من المرح والكآبة في الآن عينه وتزيد من حالة الإنفعال والتأثر بمجريات الفيلم,,ترشيح لأوسكار أفضل فيلم تحريك و ترشيح أخر للسعفة الذهبية في كان وفوز بجائزة التحكيم أكد على أهمية الفيلم و أعطاه مزيداً من الزخم. مع مليون مشاهد في فرنسا ومع خضوع السلطات الإيرانية وعرضها للفيلم -ولوبعد تعرضه لمقص الرقيب -كان تأكيداً للقيمة الفنية لعمل سترابي الذي قدم صورة مغايرة لإيران النمطية المصورة في التقارير الإخبارية,إيران الملالي والمجتمع الشمولي,,مرجان سترابي تستحق الشكر ولو مع بعض الملاحظات..


مرجان شكراً...

الجمعة، 13 مايو 2011

عندما قتل السنونو (الجزء الثاني)


عندما قتل السنونو محاولة لصنع قصة طويلة تروي مراحل متعددة من حياة بطلها
*****
إبن الستة أشهر,لا يعرف بالتواريخ وعدادات الزمن والساعات لكنه كان يحس بالوقت,ولقد عرف أنه قد مرّ وقتٌ طويل قبل أن يخرج من المستشفى ويعود إلى المنزل الذي لم يتغير فيه شيء,فقط إبريق الشاي لم يكن موجودًا في غرفة الجلوس.
حملته أمه -وقد كانت صاحبة شعر أسود كثيف منسدل على جبهتها-ووضعته في سرير خشبي ذو جوانب عالية كأنه زنزانة,ثم ذهبت إلى المطبخ.


في المساء أتى الأقارب والأصدقاء للاطمئنان على صحة الصغير ,أتت والدته مرّةً أخرى وحملته من قلب سجنه الخشبي.بمجرد وصولهم إلى غرفة الجلوس حتى قام رجلٌ أشيب الشعر,وأخذه من بين يديّ أمه وبدأ يرفعه عاليًا في فضاء الغرفة مصدرًا أصواتًا غريبة,نظر الولد بتعجّبٍ إليه مندهشًا من ما يرى,ولم يكد يفق من صدمته حتى أتت امرأةٌ ترتدي حجابًا ملوّنًا وخطفته من بين يدّ العجوز وبدأت تمرر اصبعها على شفتيه بشكل مستفز وضحكةٍ بلهاء مرسومة على محيّاها في الوقت الذي يقترب من خلفها صبيّين وهما يقومان بحركات غريبة بوجههما,مصدرين أصواتا قريبة إلى اصوات صغار القرود منها إلى أصوات البشر.
تناوب على حمله عددٌ كبيرٌ من الناس,بينما ظلّ هو في حالة من الاستغراب والضياع التام ونظرةٍ من دون معنى في عينيه محاولاً أن يفهم لماذا يتصرف الناس بهذه الطريقة الحمقاء في هذا اليوم الغبي بينما ظلّت أمه تردد طوال الوقت كرجل ألي بأن استغراب صغيرها عائد إلى عدم تعوده على "العجقة".
في اليوم التالي أفاق باكرًا مع انعكاس ضوء الشمس في الغرفة,حاول أن ينادي أمه لكنه لم ينجح,حرّك فمه بقوة أكبر,أحس بالألم فبكى,أتت الام على صوت بكاءه,رفعته عن السرير وأخذته معها إلى المطبخ حيث وضعته على كنبةٍ صفراء شاحبة اللون,قبل أن تجلب له قنينة الحليب وتنصرف إلى إعداد الطعام.وضع شفتيه على القنينة وبدا يحرك شفتيه بسرعة ونهم كبير,افرغ القنينة كلها رفع شفتيه عنها في الوقت الذي وقع فيه بصره على إبريق الشاي الأصفر نفسه,إبريق الشاي الذهبي الناعم الملمس.


لم يكن بعيدًا جدًأعنه.باب المنزل يدق فتسرع الام لترى من الطارق.يرفع يداه ويضعهما على حافة الكنبة فيما ظلّت عيناه مثبّتتان على الإبريق وبعد محاولات عدّة نجح في الوقوف على حافة الكنبة.


مدّ اصبعه باتجاه فتحة الإبريق الذي كان قد بدأ بالغليان وأدخل اصبعه الصغير,ثواني قليلة سبقت صراخه وانخراطه في البكاء.تترك الام الجارة وحيدةً في غرفة الجلوس وتركض باتجاه المطبخ تبعد صغيرها عن المعدن الملتهب وتتصل بالمشفى,لحظات قليلة وتصل سيارة الإسعاف.لم يمكث طويلاً في المستشفى كما المرة الماضية.
بعد أيام عدّة أعاد الصغير الكرّة وأحرق أصابعه مجدّدًا,حاول مرّة بعد الاخرى وفي كل مرّة كان يحرق نفسه...




تعب من محاولته المتكررة وقرر أنه لن يحب الله بعد اليوم,كيف يمكن له أن يقول أنه يحبنا دون أن يمنحنا أشياءً جديدةً,ألا يعرف أننا بشر والبشر يملون أحيانًا!؟
 يتبع...
________________________________________
  

الاثنين، 9 مايو 2011

عندما قتل السنونو (جزء1)

 عندما قتل السنونو محاولة لصنع قصة طويلة تروي مراحل متعددة من حياة بطلها
 *****

كانت عائلة عاديةً صغيرة كغيرها من العائلات,مؤلفة من أب وأم وصبي صغير حديث الولادة.تسكن في بيت صغير متواضع يقع في بداية شارع أرستقراطي,بيت مؤلف من ثلاثة غرف طليت كلها بالأزرق التركوازي لسبب مجهول.


كما الأطفال في الإعلانات-في المستقبل سيكون من الناس الذي يكنون كراهية كبيرةً للاعلانات-يرتدي حفاظا فقط ويجلس على السجادة الصفراء وهو يلعب بكعمبات اسفنجية بملل واضح وبعينين لم ترتفع عن هذه المكعبات سوى لحظة,لحظة ستغير الكثير.


سمع صوت صفير خفيف فرفع رأسه ناظرًا إلى يمينه حيث وضع ابريق الشاي على الغاز بعيداً عنه في الجانب الأخر من الغرفة,جذبه ذلك اللمعان الأصفر وصوت الصفير الخفيف الذي كان يعلو قليلاً قليلاً.نظر إلى مكعباته مرّةً أخيرة قبل أن يبتعد عنها ماضياً إلى ذهبه.
جلس بالقرب من إبريق الشاي الذهبي وأخذ يحدق به بتعجب شديد مراقبًا خروج الدخان الأبيض ومنصتاً لصوت صفيره الساحر,متنشقاً رائحة الشاي المغلي التي انتشرت في أرجاء الغرفة.اقترب أكثر منه,أصبح فخذه الطري ملتصقاً به في الوقت الذي كانت أصابعه تحوم حول الفتحة الدائرية للإبريق الذهبي محاولاً إدخالها:

بدأ بالإبهام:رعشة البدايات
    السبابة:لسعة خفيفة ووجع صامت
    الوسطى:ألم أقوى وصوت صرخة يعلو شيئا فشيئاً
    الخنصر:دموع غزيرة تنزل بحرقة ودمعة تجد طريقها إلى ابريق الشاي
    البنصر يدخل بسهولة كاملة معمّدا بالشاي الأسود المغلي:وجه مغتسل بالدموع وصرخة من ابن الأشهر الستة إلى الاله:
                                                                                                   ا                  
ل                 
ل                 
    ه                  
            
الأم خارجة من الشرفة,تحمل الملابس التي لمّتها عن حبل الغسيل,تسمع نداء الصغير,فتركض إلى الغرفة دون أن تكون على وعي بما يحصل,تدخل الغرف,تبعد الصبي بسرعة عن الإبريق.الجلد وبعض اللحم ينسلخان عن الجسد مصدران صوت شواء خفيف وناشرين في الجو  رائحة لحم محترق ,الصبي ينفجر بالبكاء في الوقت الذي أصيبت فيه  الأم بالجنون حين رأت  جسد الصبي يرفرف كفرخ حمام يذبح.تشتم الرب وتدعوه في آن بينما كان صراخ الرضيع يعلو ويعلو,تتكور في زاوية الغرفة وتنخرط في نوبة هستيرية من البكاء قبل أن تنهار وتبدأ بضرب نفسها والصبي.


 الأب يصل بسيارته الجديدة,يوقفها أمام المنزل في ظل هدوء تام لا يقطعه سوى صوت عصفور صغير يقف على الأسلاك,يدخل المفتاح في القفل ويفتح الباب منادياً زوجته ليريها السيارة,لكن أحداً لم يجب.يدخل المنزل باحثا عنها دون أي رد قبل أن يطل برأسه إلى داخل الغرفة.لم يفهم شيئا,بقعة دم حمراء تملأ الأرض تكبر وتكبر والدم يواصل نزفه من فخذ الصبي الذي بانت شرايينه بينما الأم مرمية بقرب الحائط مغمياً عليها.اتصل بالطوارئ وبعد دقائق قليلة وصل رجال الإسعاف وقاما بنقل الام وابنها إلى المستشفى كل على حدة,بينما ظل صوت حفيف الشاي المغلي يعلو ويعلو قليلاً قليلاً..

يتبع..