الكلمات
تسيل من يديّ, كلّ الكلمات.
حتى كلمات الروايات التي أكثرت من قراءتها تفرّ لتظهر في أحلامي, تؤرقني.
الصفحات الكثيرة تنهال عليّ, صفحةً تلو الصفحة, سطرًا تلو السطر, شخصية اثر أخرى. هناك صوت, صوت يقرأ الكلمات بسرعة ويقلب الصفحات.
******
يقول تولستوي أن نابليون غزا روسيا في 1812 وأفنى جيشه من أجل كبرياءه وكبرياء فرنسا.
يقول أبي أن أوباما سيضرب سوريا لأن صورة أمريكا القوية ستهتز في العالم ان لم يفعل.
أنا أصدّق كل ما يقوله أبي لذلك سأصدق ما يقوله تولستوي. .
******
قرأت الكثير من الروايات والقصص في الأشهر الأخيرة: أريد أن أصبح روائيًأ, قصاصًا, كاتب حكايا أو حكاية (واحدة) لا فرق.
لكن بدلًا من ذلك كنت أغرق داخل التلة, التلة نفسها, أغرف الكلمات عن سفحها لتسيل من يدي وأغرق فيها أكثر,
أغرف, أغرق, أغرف, أغرق, أغرف, أغرق.
نوع من سيزيفية معكوسة.
******
أحب حين أنجح في توظيف مخزوني الميتولوجي في وصف شيئٍ ما: قرأت جزءًا من كتاب عن أساطير اليونان مرّة إضافة للإلياذة والأوديسة وأنيادة فرجيل الروماني.
... ربما ليس لسيزيف علاقة بالأمر, سيزيف كان يرفع الحجر الى أعلى الجبل فيسقطه ليرفعه من جديد, أما أنا فسقوط متواصل عامودي إلى قلب الجحيم دون صعود وصولًا الى كوسيتوس (استعارة آخرى موفقة من مخزوني الميتولوجي).
******
تخطر على بالي الكثير من الحكايات لأكتبها, الكثير, الكثير. لكنني دائمًا ما أنتهي بالتخلي عنها, اما لأنها كيتش أو لأنها مكررة. أخبرت صديقة لي مرّة عن قصة كنت أنوي كتابتها عن رجلٍ لديه رعب من السيارات ليموت بعد سلسلة من التقلبات والمشاكل التي تواجهه في انفجار سيارة مفخخة, بأسلوب مشابه لسخرية ساراماغو في "كل الأسماء", لم أقل لها بالتأكيد عن ساراماغو, لكن السيارات المفخخة وبدأ الجميع يحكي عن خوفهم منها, وعن تخيلهم لمكان الانفجار التالي وعدد الضحايا وبالتساؤل عن ما يشعر به القاتل.
فقرفت وشطبت الحكاية.فأنا أكره الكيتش. ( أحب مصطلحات المثقفين -الذين أعد نفسي منهم-: كيتش, ميديوكر, انتلجنسيا, بلا بلا بلا...)
******
مرّة أخرى بدأت بكتابة قصّة تتألف من مقاطع يتناوب على السرد فيها ثلاثة أصوات, لكن أيًّا كان المقطع الذي ستبدأ القراءة منه فسيكون بإمكانك فهم القصة. للأسف بعد فترة قمت بشراء روايةً, لأن غلافها أعجبني, فاكتشفت أن الكاتب استعمل الأسلوب نفسه, فمزقت ما كتبت.
******
أنا أكره أن يقال أنني متأثر بفلان أو بفلان وأكره الكيتش والحبكات الأكثر مبيعًا. ذلك لا يعني أن لدي مانع في أن تكون كتبي في قائمة الكتب الأكثر مبيعًا ولا يعني أيضًا أنني أرفض الخضوع للتأثيرات والسرقة من الكتاب الآخرين لكنني أؤثر سرقةً وتأثرًا أفضل اخفاءً.
فأنا كاتب كبير
- ...
- حسنًا, مشروع كاتبٍ كبير.
- ...
- قد أصبح روائيًا ذا شهرة واسعةً يومًا ما, لن تعرف ذلك.
- ...
- حسنًا لكنني سأحاول على الأقل, لن تستطيع أن تمنعني..
- ...
- أوكِ, ربما يشبه نصي هذا روايةً (أو شبه رواية) جميلة قرأتها بين الأمس واليوم, لكنني سأمزقه بكل الأحوال.
- ...
- حالما أنتهي من كتابته سأمزقه سوف ترى, فأنا أكره الكيتش والتأثيرات المفضوحة.
******
حسنًا أنا أكتب الآن لأنني خائف من كبرياء الدول والحروب...
ربما ليس من الحرب تحديدًا فأنا دائمًا ما أردد رغبتي باندلاع الحرب كونها تغير الظروف وتقلب الأحوال.
ربما أكتب لأنني خائف من الموت...
لكن لا, أنا المنادي دائمًا بلا جدوى الحياة, لن أخاف من الموت..
لخوفي من المجهول؟ أكتب لخوفي
من المجهول؟
تمامًا, أكتب لأنني خائف من المجهول القابع خلف الضربة العسكرية, أنا الذي أرفض دعوة الى فنجان قهوة أو الى نزهة ان لم تكن مقررة منذ أيام.
...الآن انتبهت كم هي مبتذلة عبارة "الخوف من المجهول".
لا بد أنكم انتبهتم لشطبي اياها.
******
الآن سوف أختم كما فعلت مراتٍ عدّة في الأونة الأخيرة,بالمعلم يوسف حبشي الأشقر. لأنه ليس مستهلكًا ولا معروفًا ولا من الأفضل مبيعًا وغير معروف بين الرعاع من عامة الشعب ولا المستثقفين ولا الميديوكر:
" سمع اسكندر ما حصل, كان مع مارت في بعبدات, عند أصدقاء لمارت. كان يسمعهم يعمّرون أحلامهم, وهم يأكلون ويشربون. وكانوا متناسين انهم ينتظرون شيئًا سيحصل. الجميع باتوا يعرفون أن شيئًا سيحصل.
فجأة شعروا ان ما كان سيحصل حصل, شعروا أن القتال بدأ, لم يقلها أحد, لم يجرؤ أحد على قولها, لكنهم تفرقوا فورًا كأنهم اتفقوا على أن يتفرقوا.
قتلى الكنيسة وقتلى البوسطة كأنهم وقعوا أمامهم على الشرفة حيث يأكلون ويشربون ويتناسون ويعمّرون أحلامهم." *
_________
* يوسف حبشي الأشقر, الظل والصدى
حتى كلمات الروايات التي أكثرت من قراءتها تفرّ لتظهر في أحلامي, تؤرقني.
الصفحات الكثيرة تنهال عليّ, صفحةً تلو الصفحة, سطرًا تلو السطر, شخصية اثر أخرى. هناك صوت, صوت يقرأ الكلمات بسرعة ويقلب الصفحات.
******
يقول تولستوي أن نابليون غزا روسيا في 1812 وأفنى جيشه من أجل كبرياءه وكبرياء فرنسا.
يقول أبي أن أوباما سيضرب سوريا لأن صورة أمريكا القوية ستهتز في العالم ان لم يفعل.
أنا أصدّق كل ما يقوله أبي لذلك سأصدق ما يقوله تولستوي. .
******
قرأت الكثير من الروايات والقصص في الأشهر الأخيرة: أريد أن أصبح روائيًأ, قصاصًا, كاتب حكايا أو حكاية (واحدة) لا فرق.
لكن بدلًا من ذلك كنت أغرق داخل التلة, التلة نفسها, أغرف الكلمات عن سفحها لتسيل من يدي وأغرق فيها أكثر,
أغرف, أغرق, أغرف, أغرق, أغرف, أغرق.
نوع من سيزيفية معكوسة.
******
أحب حين أنجح في توظيف مخزوني الميتولوجي في وصف شيئٍ ما: قرأت جزءًا من كتاب عن أساطير اليونان مرّة إضافة للإلياذة والأوديسة وأنيادة فرجيل الروماني.
... ربما ليس لسيزيف علاقة بالأمر, سيزيف كان يرفع الحجر الى أعلى الجبل فيسقطه ليرفعه من جديد, أما أنا فسقوط متواصل عامودي إلى قلب الجحيم دون صعود وصولًا الى كوسيتوس (استعارة آخرى موفقة من مخزوني الميتولوجي).
******
تخطر على بالي الكثير من الحكايات لأكتبها, الكثير, الكثير. لكنني دائمًا ما أنتهي بالتخلي عنها, اما لأنها كيتش أو لأنها مكررة. أخبرت صديقة لي مرّة عن قصة كنت أنوي كتابتها عن رجلٍ لديه رعب من السيارات ليموت بعد سلسلة من التقلبات والمشاكل التي تواجهه في انفجار سيارة مفخخة, بأسلوب مشابه لسخرية ساراماغو في "كل الأسماء", لم أقل لها بالتأكيد عن ساراماغو, لكن السيارات المفخخة وبدأ الجميع يحكي عن خوفهم منها, وعن تخيلهم لمكان الانفجار التالي وعدد الضحايا وبالتساؤل عن ما يشعر به القاتل.
فقرفت وشطبت الحكاية.فأنا أكره الكيتش. ( أحب مصطلحات المثقفين -الذين أعد نفسي منهم-: كيتش, ميديوكر, انتلجنسيا, بلا بلا بلا...)
******
مرّة أخرى بدأت بكتابة قصّة تتألف من مقاطع يتناوب على السرد فيها ثلاثة أصوات, لكن أيًّا كان المقطع الذي ستبدأ القراءة منه فسيكون بإمكانك فهم القصة. للأسف بعد فترة قمت بشراء روايةً, لأن غلافها أعجبني, فاكتشفت أن الكاتب استعمل الأسلوب نفسه, فمزقت ما كتبت.
******
أنا أكره أن يقال أنني متأثر بفلان أو بفلان وأكره الكيتش والحبكات الأكثر مبيعًا. ذلك لا يعني أن لدي مانع في أن تكون كتبي في قائمة الكتب الأكثر مبيعًا ولا يعني أيضًا أنني أرفض الخضوع للتأثيرات والسرقة من الكتاب الآخرين لكنني أؤثر سرقةً وتأثرًا أفضل اخفاءً.
فأنا كاتب كبير
- ...
- حسنًا, مشروع كاتبٍ كبير.
- ...
- قد أصبح روائيًا ذا شهرة واسعةً يومًا ما, لن تعرف ذلك.
- ...
- حسنًا لكنني سأحاول على الأقل, لن تستطيع أن تمنعني..
- ...
- أوكِ, ربما يشبه نصي هذا روايةً (أو شبه رواية) جميلة قرأتها بين الأمس واليوم, لكنني سأمزقه بكل الأحوال.
- ...
- حالما أنتهي من كتابته سأمزقه سوف ترى, فأنا أكره الكيتش والتأثيرات المفضوحة.
******
حسنًا أنا أكتب الآن لأنني خائف من كبرياء الدول والحروب...
ربما ليس من الحرب تحديدًا فأنا دائمًا ما أردد رغبتي باندلاع الحرب كونها تغير الظروف وتقلب الأحوال.
ربما أكتب لأنني خائف من الموت...
لكن لا, أنا المنادي دائمًا بلا جدوى الحياة, لن أخاف من الموت..
تمامًا, أكتب لأنني خائف من المجهول القابع خلف الضربة العسكرية, أنا الذي أرفض دعوة الى فنجان قهوة أو الى نزهة ان لم تكن مقررة منذ أيام.
...الآن انتبهت كم هي مبتذلة عبارة "الخوف من المجهول".
لا بد أنكم انتبهتم لشطبي اياها.
******
الآن سوف أختم كما فعلت مراتٍ عدّة في الأونة الأخيرة,بالمعلم يوسف حبشي الأشقر. لأنه ليس مستهلكًا ولا معروفًا ولا من الأفضل مبيعًا وغير معروف بين الرعاع من عامة الشعب ولا المستثقفين ولا الميديوكر:
" سمع اسكندر ما حصل, كان مع مارت في بعبدات, عند أصدقاء لمارت. كان يسمعهم يعمّرون أحلامهم, وهم يأكلون ويشربون. وكانوا متناسين انهم ينتظرون شيئًا سيحصل. الجميع باتوا يعرفون أن شيئًا سيحصل.
فجأة شعروا ان ما كان سيحصل حصل, شعروا أن القتال بدأ, لم يقلها أحد, لم يجرؤ أحد على قولها, لكنهم تفرقوا فورًا كأنهم اتفقوا على أن يتفرقوا.
قتلى الكنيسة وقتلى البوسطة كأنهم وقعوا أمامهم على الشرفة حيث يأكلون ويشربون ويتناسون ويعمّرون أحلامهم." *
_________
* يوسف حبشي الأشقر, الظل والصدى