تبدو بثيابها الباهتة غريبة في هذا الجزء الأرستقراطي من المدينة ,تلك الرمادية في عالم الألوان,تستشعر غربتها فتفر سريعا من رصيف الى أخر ومن شارع الى شارع,تصعد إلى الباص الأبيض القابع على حدود المدينة وتمضي.
تجلس صامتة في المقعد المتأكل وتشيح بعينيها السوداوتين الكبيرتين الى الابنية والطرقات تغرق في تفاصيلها وترسم عبراتها أنهارا لا تنضب على ذلك الوجه الشاحب قبل أن تقوم من سكرتها وتصرخ على السائق طالبة النزول.
تمر في الطرقات وتنسل الى احد الشوارع المنسية .منسيا كان ذلك الشارع لكنه صاخب وصخبه دائم الازدياد ومتواصل لا ينقطع الا لحظة مرورها.يسود الصمت والوجوم هنا تبدو غريبة ايضا تستشعر ذلك فتمضي مسرعة تلاحفها نظرات النساء المملؤة بكثير من الحسد والفضول وقليل من الاشمئزاز وعيون الفتية محاولة استراق النظر الى جسدها حتى القطط توقفت عن عبثها وأخذت تتبعها.تقف أمام أحد البيوت المتهالكة الكثيرة في ذلك الشارع الاصفر محاوة فتح بابه بالمفتاح قبل أن يفتح من الداخل.تدخل بسرعة مغلقة الباب خلفها فيتعالى صخب الشارع مجددا الى ما كان عليه.
لم يمضي الكثير من الوقت على عودة الصخب حتى عادت الى الشارع ,هذه المرة وهي تجر خلفها فتى صغيرعلى كتفه شنطة مهترئة تثقل كاهله بينما يحاول بعينيه الواسعتين استكشاف المكان.الأن أمام بوابة مبنى كتب على حائطه مدرسة تختنق بدموعها بينما يحدق الفتى في وجهها بعينيه الواسعتين وتدخله عبر البوابة الى مكتب ذلك السمين الجشع الذي كثيرا ما حاول التقرب اليها لكنها كانت تشمئز-ولا تزال-.في مكتبه تفتح المحفظة وترمي اليه بمال الليلة الماضية وتمضي.
مرة أخرى تعود الى الشارع الأصفر وفي ظل حالة الصمت نفسها جراء دخولها تقف أمام نفس الباب محاولة فتحه بالمفتاح ولكنه يفتح من الداخل .تدخل بسرعة مغلقة الباب خلفها فيعود صخب الشارع من جديد .
ثواني قليلة تمضي قبل أن ترتفع الأصوات ويسمع الصراخ من ذلك المنزل فيصمت الشارع ويزداد ارتفاع صوت البيت ...
صرخة مكتومة,شيء يرتطم بالأرض و رجل يخرج من المزل ويطلق العنان لرجليه ضائعا في صخب الشارع .
تخرج من احد المباني في قلب العاصمة وهي تدس ورقة نقدية:أجر الليلة الماضية تلك الرمادية في شارع الألوان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق