"من يحدد لك مقدار حريتك؟"
هذا هو السؤال الأول الذي تبادر إلى ذهني عند إنتهائي من مشاهدة فيلم برسوبوليس والذي يمكن اعتباره سيرةً ذاتية من منظور شخصي للكاتبة والرسامة الإيرانية مرجان سترابي.
--------------------------------------------------------------------------------
يبدأ الفيلم بكلام الفتاة"مرجان" عن حياتها كفتاة عادية تحب البطاطا المقلية والكاتشب,ترى في بروس لي مثلها الأعلى وعن حلميها اللذان ترغب في تحقيقهما:
الاول وكأي فتاة إزالة شعر قدميها!!()
الثاني أن تكون اخر الرسل لهذا الكون,حلم من منظار طفولي مليء بحب الأطفال الفطري لـ الله تعلقهم به في صغرهم وشعورهم بأنه قريبون منه,ممتلئون بالطهر والبراءة الإلهية المنزهة..
تبدأ المظاهرات ضد الشاه وتتوسع رقعتها,مظاهرات مؤلفة من شرائح المجتمع المختلفة,الفتاة المنتمية لعائلة يسارية تراقب تطور الأوضاع عبر أعين عائلتها الفرحة بالمظاهرات والمشاركة فيها في الزقت عينه,,
تتالى المظاهرات,يخرج الشاه في خطاب يعد المواطنين فيه بالعمل على الانتقال إلى الديمقراطية ومنح الحريات السياسية للمواطنين وبجعل إيران مثلاً يحتذى به,تفشل محاولته وتتسع رقعة المظاهرات أكثر,يقوم بقتل البعض لكن الحرية أقوى من أن يقمعها القتل فيهوي عن عرشه وتنتصر الثورة الشعبية.
عم مرجان "أنوش" الشيوعي والذي قضى فترة طويلة في روسيا,يخرج من السجن بعد 9 أعوام طوال من الاعتقال السياسي ,,العم أنوش يظهر بمظهر البطل بالنسبة للفتاة والتي يظهر تأثرها بالأفكار الشيوعية.
بعد إنتصار الثورة,,وكحال أي مجتمع "متخلف" يشكل الدين والعائلة سبيلاً للحياة وطريقة للعيش بالنسبة للكثيرين وخاصة الفقراء والأميين الذين يشكلون عدداً كبيراً من السكان,تربح الحركة الإسلامية في الاستفتاء لصالح قيام نظام حكم إسلامي ويهزم الشيوعيين وغيرهم,العم أنوش لا يزال على إيمانه بأن هذه مجرد مرحلة انتقالية كحال اي ثورة وأن الوضع لن يبقى كما هو.
لكن الواقع كان مختلفاً بدا التضييق على الحريات,ومنع كل ما هو على علاقة بالثقافة الغربية:الخمور,ورق اللعب,كاسيتات الفرق الموسيقية,الملابس الغربية الشكل,,وفرض التشادور ومنعت اللقاءات المختلطة.
في العام التالي تنشب الحرب مع العراق,بعدما حرضت الدول الكبرى صدام لكي يقضي على الحركة الاسلامية الصاعدة وهي في المهد,حرب طويلة جداً تستنزف الجانبيين,حرب عبثية في نظر الفتاة,تشتد الحرب ويشتد القمع,,عدد كبير من المعتقلين السياسيين من بينهم العم انوش,,الفتاة تروي صراعاتها مع مجتمع وثقافة جديدتين معارضتين للثقافة التي تربت عليها.
تترك الفتاة طهران لتذهب إلى النمسا بعد أن قرر والديها أن عليها ان تسافر حفاظا عليها,,في النمسا تستشعر الفتاة غربتها,وتتنقل من بيت إلى بيت تعلم بأنها غريبة في مجتمع غريب,لم تستطع في النهاية أن تصادق إلا مجموعة من الشباب المتمردين,وسعت إلى أن تكون منهم لكن في داخلها كانت تعرف أنها ليست منهم..تمر بمراحل عديدة في فيينا,الاحتقار كونها إيرانية,العلاقات الجنسية,المخدرات وغيرها.
بعد ان تعبت من نمط الحياة الغربية وبعد العديد من الصدمات على كافة الأصعدة,تنهك الفتاة وتقرر العودة إلى الوطن في وقت بدأ فيه الراديكاليون الإسلاميون يبسطون سيطرتهم أكثر وأكثر على البلاد.
صراعات متعددة تعود لتظهر,,وضغط كبير يفرضه عناصر الشرطة والحرس الثوري على الناس,وتدخل كبير في الحريات الشخصية.
بعد فشل زواجها -الذي فرض عليها لأنها لن تستطيع لقاء الشاب الذي تحبه الفتاة بسبب منع الاختلاط - تقرر الفتاة السفر إلى باريس,إلى بداية جديدة وعالم جديد..
في انتظار عودة إيران الحقيقية,إيران ايمان البسطاء,ايران الفنون والانفتاح الثقافي وايران التنوع الديني والايديولوجي.
--------------------------------------------------------------------------------
رغم أن الفيلم أعطى صورة سوداوية جداً عن نظام الحكم الاسلامي ,ومبالغ فيها بعض الشيء,فاننا ان نظرنا للفيلم على أنه وجهة نظر شخصية وليس على أنه تأريخ لمرحلة حديثة من تاريخ إيران فاننا لن نجد فيه هذه الصورة المجحفة..أحداث تاريخية روتها فتاة ذات نشأة شيوعية لن تكون مؤيدة لنظام من هذا النوع بأي شكل من الأشكال,,العمل الفني لا يخضع للتاريخ وقصصه المملة والفتاة لم تطرح نفسها كمؤرخة.
مرجان لم تستطع التكيف في مجتمع استشعرت فيه الغربة رغم أنه بلدها وفي نفس الوقت لم تنجح في الاندماج مع مجتمع غربي مختلف كلياً عن مجتمعها الشرقي,لبنقطة الأهم الذي يركز عليها الفيلم برأيي هي من سمح لرجال الدين أن يفرضوا ارءاهم على الناس؟وبالتالي هل يحق لنظام ديني واسلامي تحديداً أن يحد من حرية الناس؟ وخاصة أن هذا النظام يطبق الدين حسب فهمه له ولكن الاشكالية الأهم التي نخرج بها من الفيلم تكمن في أن أي نظام أو أي مجموعة قانونية لديه قوانينه الخاصة,لديه أفكاره التي يؤمن بها ويسعى لتطبيقها ولكن هل يحق له فرض اراءه على الناس ؟,,ما هو مقدار الحرية الفردية ومن يحددها؟؟,هل يمكننا أن نعيش من دون قوانين وفي الوقت عينه هل يمكننا العيش في ظل قوانين لا ترضينا؟..جدلية من الصعب جداً الاجابة عليها بل ربما من المستحيل أن نستطيع الإجابة عليها.
الفيلم كان متميّزاً على الصعيد الفني,,استخدام الابيض والأسود أضفى عليه بعداً أخر,الفلاش باك ,الرسمات التي تضفي جواً من المرح والكآبة في الآن عينه وتزيد من حالة الإنفعال والتأثر بمجريات الفيلم,,ترشيح لأوسكار أفضل فيلم تحريك و ترشيح أخر للسعفة الذهبية في كان وفوز بجائزة التحكيم أكد على أهمية الفيلم و أعطاه مزيداً من الزخم. مع مليون مشاهد في فرنسا ومع خضوع السلطات الإيرانية وعرضها للفيلم -ولوبعد تعرضه لمقص الرقيب -كان تأكيداً للقيمة الفنية لعمل سترابي الذي قدم صورة مغايرة لإيران النمطية المصورة في التقارير الإخبارية,إيران الملالي والمجتمع الشمولي,,مرجان سترابي تستحق الشكر ولو مع بعض الملاحظات..
مرجان شكراً...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق