الاثنين، 19 مارس 2012

حلم رجل مضحك - لا دوستويفسكي هنا

جلس الشاب في مقعده الذي يشاركه فيه رجلًا يلتهم سندويش شاورما مشبع بالثوم في الباص العمومي الذي يقله يوميًا من الجامعة إلى منزله متأملًا الصاعدين والهابطين منه وهو يفكر بالحلول للقضايا الوطنية وللقضايا القومية وللقضايا الإقليمية وللقضايا العالمية ولكل قضايا الإنسانية,دون أن يهتم بكل الصراخ والضجيج الذي يثار من حوله ولا بمحاولة السائق البائسة لإضفاء البهجة على الركاب بترحيبه المصطنع وبتهريجه المتواصل. ومن دون أن يعرف كيف شعر الشاب بالتعب يتسلل إلى جسمه وبدأت عيناه تغلقان من تلقاء نفسهما حتى غفى و أخذ يحلم.
حلم حلمًا عجيباً:كان جالسًا في الباص العمومي عائد إلى منزله من الجامعة وكان منزعجًا من رائحة الثوم المنبعثة من فم الرجل الجالس بقربه في المقعد.كان يفكر ويفكر ويفكر قبل أن يغفو ويحلم بأنه واقفٌ أمام 
شابة عشرينية شقراء الشعر وفوق فمها شامة صغيرة جميلة وهو يقول لها:"أتمنى!؟أتمنى..أتمنى أن تشتعل آبار النفط في الخليج وتمتد من الصحراء إلى المدن وتقتل جميع السكان وتمتد إلى العراق وإيران وتركيا ومصر والسودان ودول المغرب العربي وتصل إلينا في بلاد الشام وتحرقنا جميعاً وتتهدم الأبنية فوق رؤوسنا وتزيد المصانع من إشتعال النيران التي تعلو وتعلو حتى تصل للسماء ويحترق الشرق الأوسط كله ونموت كلنا, كلنا من عربٍ وفرس وأكراد وأتراك وكلدان وآشوريين وسريان,كلنا من شيعة وسنة وكاثوليك  ودروز وموارنة  وعلويين وكاثوليك و إنجيليين وصابئة وملحدين وأقباط..
وحين لا يبقى شيء يعلو على سطح الأرض,يأتي طوفان أغرب من طوفان نوح ويفتت الأرض ويغرقها فلا يبقى من آثرنا شيء ولا من نفطنا كذلك.وعندها لن يستطيع الأوروبين والأمريكيين الاستفادة من نفطنا أو غازنا أو أي شيء موجود لدينا و حتى ذلك الشعور الإكزوتيكي الذي ينتابهم عند إكتشافهم لكتابات شاعرٍ صوفيٍ من أرضنا سيفقدونه لأنه لم يبقى شيء.
ومع الوقت سينفد الغاز والبترول وسيتحولون لاستعمال الطاقة النووية,لكن ذلك لن يفيد فبعد مدة لن يجدوا ما يكفيهم من غذاء وسيعيشون في المجاعة لسنين طويلة وسيقتلون بعضهم في سبيل الحصول على الطعام وبعد مدّةٍ آخرى سيموتون جميعًا ولن يبقى أحد.
عند حصول هذا الأمر سيجلس الله حزينًا لا علينا,فهو كان قد فقد الأمل منا ولم يعد يتدخل في شؤوننا منذ أكثر من آلف عام لكنه سيحزن لأنه لن يجد قصةً تسليه بعد الآن. قبل أن يلتفت إلا أنه الله وأن الله بإمكانه خلق ارضٍ جديدة وبشر جدد يتسلى بحكايتهم وقصصهم التي لا تنتهي.
أما نحن فسنكون جالسين كلنا أبناء هذه الأرض وحيوانتها وأشجارها وحتى بطاريقها القطبية في جنّة وضعت قطعة رخام على بابها تهدد بالطرد في حال الحديث بالدين والسياسة لكن في داخلها سيكون كل شخص فينا ينادي بوجوب إتباع إلهه وإنتظار مخلصيه, وبين الحين والآخر سيسيطر  قسم منا على الجنة قبل أن تضعف شوكته ويسيطر عليها قسم آخر فقطعة الرخام هذه لا تختلف عن الأوراق المعلقة في الجامعة اللبنانية التي تؤكد أيضًا منع الحديث في السياسة والدين تحت طائلة الطرد."


صوت صراخٍ ٍ مزعج يعلو فيستفيق الفتى ويفتح عينيه فيرى أن آكل الثوم قد ترك المقعد وهناك بدل منه شابة عشرينية شقراء الشعر وفوق فمها شامة صغيرة جميلة,وتحمل الشابة العشرينية بين يديها طفلًا لا يتجاوز عمره العام وهي تصفعه على وجنتيه مهددةً إياه بمزيد من الصفعات في حال لم يسكت.
يخرج الشاب رأسه من الشباك ناظرًا إلى أحد المحال مراقبًا التلفاز منتظرًا أن يظهر شريط الخبر العاجل أسفل الشاشة مؤكدًا اشتعال آبار النفط في الخليج.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق