1|
كانا يجلسان على مقعد خشبي على شرفة غرفتها ينتظران الفرصة المناسبة لكي تحضر الفتاة مفتاح من الداخل لكنها خافت ان توقظ والديها وشقيقتها النائمة واللذين لم يعرفوا بوجوده عندها.
بعد طول إنتظار دخلت غرفتها الرمادية الجدران, بحثت قليلاً وسرعان ما وجدت المفتاح .دسته في جيبها وعادت إلى الشرفة أنزلت ضفيرتها إلى الرصيف ونزل هو متشبثاً بها,عند وصوله رمت هي بنفسها بين يديه وأسرعا إلى أقرب زاوية,خلع قميصه كاشفاً عن صدره.كانه هناك قفل ما,أدخلت المفتاح فيه فانفك.وجدت قلبه هناك حملته بيديها بتأني ثم أخذت تعدو .
2|
طرق صبي باب منزله كانت تلك المرّة الأولى منذ زمن بعيدٍ فهو أضحى منسياً كليّلةٍ ممطرةٍ في تموز وطلب منه أن يهديه ديوانا من دواوينه ممهوراً بتوقيعه.
بحث الرجل طويلاً في أكوام كتبه لكنه لم يجد أي نسخةً من كتبه.
عندها خطّ هذه الأسطر على ورقةٍ بيضاء,مهرها بتوقيعه وأهداها للصبي.
3|
بيــ...تزا
بيتزاااااااااا
بيت زا
بتزا
كان يردد كلمة بيتزا بأشكال مختلفة فهو يريد أن يختار الأجمل لفظاً بينها لكي يسمعها قصيدة "فكرتي تأكل بيتزا"...
بعد أن انفجرت في وجهه قنينة الغاز كتب لها:
"أنت فكرتي,وأنا لا أحب البيتزا"
4|
فتح احمد علّوش إبن الأعوام العشرة عينيه صبيحة ذلك اليوم وأحسّ بوجود شيءٍ غريب,الجدران بلا ألوان,ملابسه كذلك,الخزانة,الأرضية.فتح الستارة التي كان لونها قد اختفى أيضاً ونظر عبر الشباك ووجد كل شيءٍ رمادياً خالياً من الألوان,الشمس,السماء,الجبال,الأشجار,الأبنية,السيارات...
ذعر مما رأه وسيطر عليه حزن ممزوج بخوف غريب .أدار التلفاز وبحث عبثاً بين القنوات عن مذيعٍ بثيابٍ ملونة أو عن بيت وحديقة بغير الرمادي.
قرر عدم الذهاب إلى المدرسة وحين أطلّ برأسه مرة أخرى من الشباك رأى مجموعة من الأشخاص بلا ملامح في زقاقٍ جانبي يحملون صناديق كبيرة من أقلام التلوين وعلب الدهان وأدوات الطلاء ومن ثم يضعونها في شاحناتٍ تأخذهم بعيداً.
عندها اجتاحه غضبٌ شديد وقرر منعهم من سرقة الألوان من العالم,فتح باب البيت ووصل إلى الشارع سريعاً يعدو وهو يصرخ بالناس طالباً مساعدته بإلقاء القبض على المجرمين لكن أحداً لم يهتم بدعواته بل أخذوا يسخرون منه مؤكدين أن كل شيءٍ على حاله والألوان لم تختفي فالخياة تجري بشكل عادي.مع ذلك لم يعبئ أحمد بأي منهم ولم يثبط ذلك من عزيمته بل واصل ركضه باتجاه "الحرامية" حتى وصل إليهم لكنهم ما إن رأوه حتى ولّو هاربين والذعر يملأ قلوبهم وسقطت منهم علبة تلوين ما ان رأها الفتى حتى انقض عليها ممسكاً بها بكلتا يديه و استدار عائداً إلى المنزل.
وقف أمام شباك غرفته وفتح علبة الأقلام.لوّن الشمس بالأصفر والسماء بالأزرق وأعاد اللون الأخضر للأشجار ومنح الأبنية والسيارات ألواناً جديدة تضج بالحياة.
وضع الشنطة على كتفيّه,خرج من المنزل مغلقاً الباب وراءه ومضى إلى مدرسته رغم بداية الحصة.
5|
صرخ الأب غاضباً منادياً ابنه.أسرع الفتى لعند والده فأمره الأخير أن يكتب رسالة من جملة واحدة:
"يلعن أبو هالشغلة"
صمت قليلاً ثم قال:"يلعن ام هالشغلة"
نظر إليه الصبي وسأله:"بابا,امها ولا أبوها!؟"
6|
كانت فتاة بشعرٍٍ غريب اللون تسأل دوماً عن موعد إنتهاء الشتاء لكي تشتري المثلجات.
وعندما يقولون لها بأنه انتهى-أي الشتاء-,كانت تجلس طوال الوقت تسأل عن سعر "حبّة" المثلجات.
عندما كانت تعبر الشارع إلى الدكان حيث يوجد برّاد المثلجات,دهستها عربّة كبيرة حمراء تبيع المثلّجات.
ثم بدأ المطر ينهمر بغزارة.
7|
مضى وقتٌ طويل على أخر زيارةٍ له إلى الجامع لكن شعوراً غريباً دفعه للذهاب في ذلك اليوم الذي كان جمعة.
خلع حذاءه ووضعه في المكان المخصص لذلك واتخذ لنفسه مكاناً بين المصلين مستمعاً لخطبة الشيخ الذي كان يصرخ مهدداً الناس محذراً اياهم من خطر الأغاني ومؤكداً حرمتها:
"إن الأغاني حرامٌ,حرامٌ,حرامٌ ...انظروا لقبر عبد الحليم حافظ كيف يتصاعد منه الدخان كل ليلة,أنظروا للمغنية نورا كيف ماتت وهي تغني على خشبة المسرح وأم كلثوم التي تتغنّوا بها اذهبوا لقبرها وأسمعوا صوت الصراخ يعلوا من قبرها في الليالي..."
فجأة دخل رجال الشرطة إلى المسجد انزلوا الشيخ عن المنبر واقتادوه إلى المخفر وبدأ الناس يتهامسون مؤكدين أن الشرطة وجدت أدّلةً تؤكدعلى تعاونه مع العدو.
لم تمضي سوى لحظات قبل أن يعتلي المنبر شيخٌ أخر مكملاً التهديد والوعيد بالويل والثبور وعذاب القبور.
كانا يجلسان على مقعد خشبي على شرفة غرفتها ينتظران الفرصة المناسبة لكي تحضر الفتاة مفتاح من الداخل لكنها خافت ان توقظ والديها وشقيقتها النائمة واللذين لم يعرفوا بوجوده عندها.
بعد طول إنتظار دخلت غرفتها الرمادية الجدران, بحثت قليلاً وسرعان ما وجدت المفتاح .دسته في جيبها وعادت إلى الشرفة أنزلت ضفيرتها إلى الرصيف ونزل هو متشبثاً بها,عند وصوله رمت هي بنفسها بين يديه وأسرعا إلى أقرب زاوية,خلع قميصه كاشفاً عن صدره.كانه هناك قفل ما,أدخلت المفتاح فيه فانفك.وجدت قلبه هناك حملته بيديها بتأني ثم أخذت تعدو .
2|
طرق صبي باب منزله كانت تلك المرّة الأولى منذ زمن بعيدٍ فهو أضحى منسياً كليّلةٍ ممطرةٍ في تموز وطلب منه أن يهديه ديوانا من دواوينه ممهوراً بتوقيعه.
بحث الرجل طويلاً في أكوام كتبه لكنه لم يجد أي نسخةً من كتبه.
عندها خطّ هذه الأسطر على ورقةٍ بيضاء,مهرها بتوقيعه وأهداها للصبي.
3|
بيــ...تزا
بيتزاااااااااا
بيت زا
بتزا
كان يردد كلمة بيتزا بأشكال مختلفة فهو يريد أن يختار الأجمل لفظاً بينها لكي يسمعها قصيدة "فكرتي تأكل بيتزا"...
بعد أن انفجرت في وجهه قنينة الغاز كتب لها:
"أنت فكرتي,وأنا لا أحب البيتزا"
4|
فتح احمد علّوش إبن الأعوام العشرة عينيه صبيحة ذلك اليوم وأحسّ بوجود شيءٍ غريب,الجدران بلا ألوان,ملابسه كذلك,الخزانة,الأرضية.فتح الستارة التي كان لونها قد اختفى أيضاً ونظر عبر الشباك ووجد كل شيءٍ رمادياً خالياً من الألوان,الشمس,السماء,الجبال,الأشجار,الأبنية,السيارات...
ذعر مما رأه وسيطر عليه حزن ممزوج بخوف غريب .أدار التلفاز وبحث عبثاً بين القنوات عن مذيعٍ بثيابٍ ملونة أو عن بيت وحديقة بغير الرمادي.
قرر عدم الذهاب إلى المدرسة وحين أطلّ برأسه مرة أخرى من الشباك رأى مجموعة من الأشخاص بلا ملامح في زقاقٍ جانبي يحملون صناديق كبيرة من أقلام التلوين وعلب الدهان وأدوات الطلاء ومن ثم يضعونها في شاحناتٍ تأخذهم بعيداً.
عندها اجتاحه غضبٌ شديد وقرر منعهم من سرقة الألوان من العالم,فتح باب البيت ووصل إلى الشارع سريعاً يعدو وهو يصرخ بالناس طالباً مساعدته بإلقاء القبض على المجرمين لكن أحداً لم يهتم بدعواته بل أخذوا يسخرون منه مؤكدين أن كل شيءٍ على حاله والألوان لم تختفي فالخياة تجري بشكل عادي.مع ذلك لم يعبئ أحمد بأي منهم ولم يثبط ذلك من عزيمته بل واصل ركضه باتجاه "الحرامية" حتى وصل إليهم لكنهم ما إن رأوه حتى ولّو هاربين والذعر يملأ قلوبهم وسقطت منهم علبة تلوين ما ان رأها الفتى حتى انقض عليها ممسكاً بها بكلتا يديه و استدار عائداً إلى المنزل.
وقف أمام شباك غرفته وفتح علبة الأقلام.لوّن الشمس بالأصفر والسماء بالأزرق وأعاد اللون الأخضر للأشجار ومنح الأبنية والسيارات ألواناً جديدة تضج بالحياة.
وضع الشنطة على كتفيّه,خرج من المنزل مغلقاً الباب وراءه ومضى إلى مدرسته رغم بداية الحصة.
5|
صرخ الأب غاضباً منادياً ابنه.أسرع الفتى لعند والده فأمره الأخير أن يكتب رسالة من جملة واحدة:
"يلعن أبو هالشغلة"
صمت قليلاً ثم قال:"يلعن ام هالشغلة"
نظر إليه الصبي وسأله:"بابا,امها ولا أبوها!؟"
6|
كانت فتاة بشعرٍٍ غريب اللون تسأل دوماً عن موعد إنتهاء الشتاء لكي تشتري المثلجات.
وعندما يقولون لها بأنه انتهى-أي الشتاء-,كانت تجلس طوال الوقت تسأل عن سعر "حبّة" المثلجات.
عندما كانت تعبر الشارع إلى الدكان حيث يوجد برّاد المثلجات,دهستها عربّة كبيرة حمراء تبيع المثلّجات.
ثم بدأ المطر ينهمر بغزارة.
7|
مضى وقتٌ طويل على أخر زيارةٍ له إلى الجامع لكن شعوراً غريباً دفعه للذهاب في ذلك اليوم الذي كان جمعة.
خلع حذاءه ووضعه في المكان المخصص لذلك واتخذ لنفسه مكاناً بين المصلين مستمعاً لخطبة الشيخ الذي كان يصرخ مهدداً الناس محذراً اياهم من خطر الأغاني ومؤكداً حرمتها:
"إن الأغاني حرامٌ,حرامٌ,حرامٌ ...انظروا لقبر عبد الحليم حافظ كيف يتصاعد منه الدخان كل ليلة,أنظروا للمغنية نورا كيف ماتت وهي تغني على خشبة المسرح وأم كلثوم التي تتغنّوا بها اذهبوا لقبرها وأسمعوا صوت الصراخ يعلوا من قبرها في الليالي..."
فجأة دخل رجال الشرطة إلى المسجد انزلوا الشيخ عن المنبر واقتادوه إلى المخفر وبدأ الناس يتهامسون مؤكدين أن الشرطة وجدت أدّلةً تؤكدعلى تعاونه مع العدو.
لم تمضي سوى لحظات قبل أن يعتلي المنبر شيخٌ أخر مكملاً التهديد والوعيد بالويل والثبور وعذاب القبور.